أي : بعد عن العمارة والأنس به ، ووزنه عند هؤلاء : إفعيل ، واعترض عليهم بأنه كان ينبغي أن يكون منصرفا ، وأجابوا بأنه أشبه الأسماء الأعجمية لعدم نظيره في الأسماء العربية ، وردّ عليهم بأنّ مثله في العربية كثير ، نحو : إزميل وإكليل وإغريض وإخريط وإحليل. وقيل : لمّا لم يتسمّ به أحد من العرب صار كأنه دخيل في لسانهم فأشبه الأعجمية وفيه بعد.
قوله : (أَبى وَاسْتَكْبَرَ) الظاهر أنّ هاتين الجملتين استئنافيتان جوابا لمن قال : فما فعل؟ والوقف على قوله : «إلّا إبليس» تامّ. وقال أبو البقاء : «في موضع نصب على الحال من إبليس تقديره : ترك السجود كارها ومستكبرا عنه فالوقف عنده على «واستكبر» ، وجوّز في قوله تعالى : (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) أن يكون مستأنفا وأن يكون حالا أيضا.
والإباء : الامتناع ، قال الشاعر :
٣٦٧ ـ وإما أن يقولوا قد أبينا |
|
وشرّ مواطن الحسب الإباء (١) |
وهو من الأفعال المفيدة للنفي ، ولذلك وقع بعده الاستثناء المفرّغ ، قال الله تعالى : (وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ)(٢) ، والمشهور أبى يأبى بالفتح فيهما ، وكان القياس كسر عين المضارع ، ولذلك اعتبره بعضهم فكسر حرف المضارعة فقال : تئبى ونئبى. وقيل : لمّا كانت الألف تشبه حروف الحلق فتح لأجلها عين المضارع. وقيل : أبى يأبى بالفتح فيهما ، وكان القياس كسر عين المضارع ، ولذلك اعتبره بعضهم فكسر حرف المضارعة فقال : تئبى ونئبى. وقيل : لمّا كانت الألف تشبه حروف الحلق فتح لأجلها عين المضارع. وقيل : أبي يأبى بكسرها في الماضي وفتحها في المضارع ، وهذا قياس فيحتمل أن يكون من قال : أبى يأبى ـ بالفتح فيهما ـ استغنى بمضارع من قال : أبي بالكسر ويكون من التداخل نحو : ركن يركن وبابه :
واستكبر بمعنى تكبّر ، وإنما قدّم الإباء عليه وإن كان متأخّرا عنه في الترتيب لأنه من الأفعال الظاهرة بخلاف الاستكبار فإنه من أفعال القلوب. وقوله «وكان» قيل : هي هنا بمعنى صار كقوله :
٣٦٨ ـ بتيهاء قفر والمطيّ كأنّها |
|
قطا الحزن قد كانت فراخا بيوضها (٣) |
أي : قد صارت ، وردّ هذا ابن فورك (٤) وقال : «تردّه الأصول» والأظهر أنها على بابها ، والمعنى : وكان من القوم الكافرين الذين كانوا في الأرض قبل خلق آدم ما روي ، أو : وكان في علم الله.
قوله تعالى : (وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) : هذه الجملة معطوفة على جملة : «إذ قلنا» لا على «قلنا» وحده لاختلاف زمنيهما ، و «أنت» توكيد للضمير المستكنّ في «اسكن» ليصحّ العطف عليه ، و «زوجك»
__________________
ـ (١ / ٣٦٠) ، التصريح (٢ / ٢٢٦) ، الأشموني (١ / ٢٦٧) ، اللسان (بلس).
(١) البيت لزهير. انظر ديوانه (٧٤).
(٢) سورة التوبة ، آية (٣٢).
(٣) البيت في الخزانة (٤ / ٣١) ، المحتسب (٢ / ١٤٤) ، شرح المفصل لابن يعيش (٧ / ١٠٢) ، الأشموني (١ / ٢٣٠) ، اللسان (عرض).
(٤) الإمام العلامة الصالح ، شيخ المتكلمين ، أبو بكر ، محمد بن الحسن بن فورك الأصبهاني. وصنف التصانيف الكثيرة. إنباه الرواة (٣ / ١١٠ ، ١١١) ، طبقات السبكي (٤ / ١٢٧ ـ ١٣٥).