لأنّ أصله «يبدأ» بالهمزة فكذلك هذه الآية أبدلت الهمزة ياء ثم حذفت حملا للأمر على المجزوم. وقرئ «أنبيهم» بإثبات الياء نظرا إلى الهمزة وهل تضمّ الهاء نظرا للأصل أم تكسر نظرا للصورة؟ وجهان منقولان عن حمزة عند الوقف عليه.
و «بأسمائهم» متعلّق بأنبئهم ، وهو المفعول الثاني كما تقدّم ، وقد يتعدّى ب «عن» نحو : أنبأته عن حاله ، وأمّا تعديته ب (مَنْ) في قوله تعالى : (قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ)(١) فسيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.
قوله : (قالَ : أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ) الآية. «قال» جواب «فلمّا» والهمزة للتقرير إذا دخلت على نفي قرّرته فيصير إثباتا نحو : (أَلَمْ نَشْرَحْ) أي : قد شرحنا و «لم» حرف جزم وقد تقدّم أحكامها ، و «أقل» مجزوم بها حذفت عينه وهي الواو لالتقاء الساكنين. و «لكم» متعلق به ، واللام للتبليغ : والجملة من قوله «إني أعلم» في محلّ نصب بالقول. وقد تقدّم نظائر هذا التركيب فلا حاجة إلى إعادته.
قوله : (وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ) كقوله : (أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) من كون «أعلم» فعلا مضارعا أو أفعل بمعنى فاعل أو أفعل تفضيل ، وكون «ما» في محل نصب أو جر وقد تقدّم. والظاهر : أن جملة قوله : «وأعلم» معطوفة على قوله : «إني أعلم غيب» ، فتكون في محلّ نصب بالقول ، وقال أبو البقاء : «إنه مستأنف وليس محكيّا بالقول» ، ثم جوّز فيه ذلك.
و «تبدون» وزنه : تفعون لأن أصله تبدوون مثل تخرجون ، فأعلّ بحذف الواو بعد سكونها. والإبداء :
الإظهار. والكتم : الإخفاء ، يقال : بدا يبدو بداء ، قال :
٣٥٨ ـ ............... |
|
بدا لك في تلك القلوص بداء (٢) |
قوله : (وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) : «ما» عطف على «ما» الأولى بحسب ما تكون عليه من الإعراب.
(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (٣٤) وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ)(٣٥)
قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) : العامل في «إذ» محذوف دلّ عليه قوله : «فسجدوا» تقديره : أطاعوا وانقادوا فسجدوا ، لأنّ السجود ناشئ عن الانقياد ، وقيل : العامل «اذكر» مقدرة ، وقيل : [إذ] زائدة ، وقد تقدّم ضعف هذين القولين. وقال ابن عطية : «وإذ قلنا معطوف على «إذ» المتقدمة» ولا يصحّ هذا لاختلاف الوقتين ، وقيل : «إذ» بدل من «إذ» الأولى ، ولا يصحّ لما تقدّم ولتوسّط حرف العطف ، وجملة «قلنا» في محلّ خفض بالظرف ، وفيه التفات من الغيبة إلى التكلم للعظمة ، واللام للتبليغ كنظائرها.
__________________
(١) سورة التوبة ، آية (٩٤).
(٢) عجز بيت لمحمد بن بشر العدواني وصدره :
لعلك والموعود حق لقاؤه |
|
............... |
انظر الخصائص لابن جني (١ / ٣٦٨) ، أمالي ابن الشجري (٢ / ٧١) ، الهمع (١ / ٢٤٧) ، الدرر (١ / ٢٠٤) ، واللسان (بدا) ، وفيه النسبة للشماخ. وانظر الأغاني (١٤ / ١٥١) ، التصريح (١ / ٢٦٨).