٣٥٤ ـ أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم |
|
إني أخاف عليكم أن أغضبا (١) |
وقدّم «العليم» على «الحكيم» لأنه هو المتصل به في قوله : «علّم» وقوله : «لا علم لنا» ، فناسب اتّصاله به ، ولأنّ الحكمة ناشئة عن العلم وأثر له ، وكثيرا ما تقدّم صفة العلم عليها ، والحكيم صفة ذات إن فسّر بذي الحكمة ، وصفة فعل إن فسّر بأنه المحكم لصنعته.
قوله تعالى : (قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) .. «آدم» مبنيّ على الضم لأنه مفرد معرفة ، وكلّ ما كان كذلك بني على ما كان يرفع به ، وهو في محلّ نصب لوقوعه موقع المفعول به فإنّ تقديره : أدعو آدم ، وبني لوقوعه موقع المضمر ، والأصل : يا إياك ، كقولهم : «يا إياك قد كفيتك» ويا أنت كقوله :
٣٥٥ ـ يا أبجر بن أبجر يا أنتا |
|
أنت الذي طلّقت عام جعتا (٢) |
قد أحسن الله وقد أسأتا |
و «يا إياك» أقيس من «يا أنت» لأنّ الموضع موضع نصب ، فإياك لائق به ، وتحرّزت بالمفرد من المضاف نحو : يا عبد الله ، ومن الشبيه به وهو عبارة عمّا كان الثاني فيه من تمام معنى الأول نحو : يا خيرا من زيد ويا ثلاثة وثلاثين ، وبالمعرفة من النكرة غير المقصودة نحو قوله :
٣٥٦ ـ أيا راكبا إمّا عرضت فبلّغن |
|
نداماي من نجران ألّا تلاقيا (٣) |
فإن هذه الأنواع الثلاثة معربة نصبا.
و «أنبئهم» فعل أمر وفاعل ومفعول ، والمشهور : أنبئهم مهموزا مضموم الهاء ، وقرئ بكسر الهاء وتروى عن ابن عامر ، كأنه أتبع الهاء لحركة الباء ولم يعتدّ بالهمزة لأنها ساكنة ، فهي حاجز غير حصين ، وقرئ بحذف الهمزة ورويت عن ابن كثير ، قال ابن جني : «هذا على إبدال الهمزة ياء كما تقول : أنبيت بزنة أعطيت. قال : «وهذا ضعيف في اللغة لأنه بدل لا تخفيف ، والبدل عندنا لا يجوز إلّا في ضرورة» ، وهذا من أبي الفتح غير مرض لأن البدل جاء في سعة الكلام ، حكى الأخفش في «الأوسط» له أنهم يقولون في أخطأت : أخطيت ، وفي توضّأت : توضّيت ، قال : «وربما حوّلوه إلى الواو ، وهو قليل ، قالوا : رفوت في رفأت ولم يسمع رفيت».
إذا تقرّر ذلك فللنّحويين في حرف العلة المبدل من الهمزة نظر في أنه هل يجري مجرى حرف العلة الأصلي أم ينظر إلى أصله؟ ورتّبوا على ذلك أحكاما ومن جملتها : هل يحذف جزما كالحرف غير المبدل أم لا نظرا إلى أصله ، واستدلّ بعضهم على حذفه جزما بقول زهير :
٣٥٧ ـ جريء متى يظلم يعاقب بظلمه |
|
سريعا وإلّا يبد بالظّلم يظلم (٤) |
__________________
(١) البيت في ديوانه (٥٠) ، الكشاف (٤ / ٣٣٦) ، اللسان (حكم).
(٢) البيت للأحوص. انظر ديوانه (٢١٦) ، أوضح المسالك (٣ / ٧٢) ، شرح المفصل لابن يعيش (١ / ١٢٧) ، أمالي ابن الشجري (٢ / ٧٩) ، النوادر (١٦٣) ، الخزانة (١ / ٢٨٩).
(٣) البيت لعبد يغوث بن وقاص. انظر الكتاب (١ / ٣١٢) ، الخصائص (٢ / ٤٤٨) ، مجالس ثعلب (٤٤٨) ، المفضليات (١٥٦) ، المقتضب (٤ / ٢٠٤) ، العيني (٣ / ٤٢).
(٤) انظر ديوانه (٢٤).