قوله تعالى : (قالُوا سُبْحانَكَ) .. «سبحان» اسم مصدر وهو التسبيح ، وقيل : بل هو مصدر لأنه سمع له فعل ثلاثي ، وهو من الأسماء اللازمة للإضافة وقد يفرد ، وإذا أفرد منع الصرف للتعريف وزيادة الألف والنون كقوله :
٣٥٢ ـ أقول لمّا جاءني فخره |
|
سبحان من علقمة الفاخر (١) |
وقد جاء منوّنا كقوله :
٣٥٣ ـ سبحانه ثم سبحانا نعوذ به |
|
وقبلنا سبّح الجوديّ والجمد (٢) |
فقيل : صرف ضرورة ، وقيل : هو بمنزلة قبل وبعد ، إن نوي تعريفه بقي على حاله ، وإن نكّر أعرب منصرفا ، وهذا البيت يساعد على كونه مصدرا لا اسم مصدر لوروده منصرفا. ولقائل القول الأول أن يجيب عنه بأنّ هذا نكرة لا معرفة ، وهو من الأسماء اللازمة النصب على المصدرية فلا يتصرّف ، والناصب له فعل مقدر لا يجوز إظهاره ، وقد روي عن الكسائي أنه جعله منادى تقديره : يا سبحانك ، وأباه الجمهور من النحاة ، وإضافته هنا إلى المفعول لأنّ المعنى : نسبّحك نحن. وقيل : بل إضافته للفاعل ، والمعنى : تنزّهت وتباعدت من السوء وسبحانك ، والعامل فيه في محلّ نصب بالقول.
قوله : (لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) كقوله تعالى : (لا رَيْبَ فِيهِ) ، و «إلّا» حرف استثناء ، و «ما» موصولة ، و «علّمتنا» صلتها ، وعائدها محذوف ، على أن يكون «علم» بمعنى معلوم ، ويجوز أن تكون مصدرية وهي في محلّ نصب على الاستثناء ، ولا يجوز أن تكون منصوبة بالعلم الذي هو اسم لا لأنه إذا عمل كان معربا ، وقيل : في محلّ رفع على البدل من اسم «لا» على الموضع. وقال ابن عطية : «هو بدل من خبر التبرئة كقولهم : «لا إله إلا الله» وفيه نظر ، لأن الاستثناء إنما هو من المحكوم عليه بقيد الحكم لا من المحكوم به. ونقل هو عن الزهراوي (٣) أنّ «ما» منصوبة بعلّمتنا بعدها ، وهذا غير معقول لأنه كيف ينتصب الموصول بصلته وتعمل فيه؟ قال الشيخ (٤) : «إلا أن يتكلّف له وجه بعيد ، وهو أن يكون استثناء منقطعا بمعنى لكن ، وتكون «ما» شرطية ، و «علّمتنا» ناصب لها وهو في محلّ جزم بها والجواب محذوف ، والتقدير : لكن ما علّمتنا علمناه.
قوله : (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) أنت يحتمل ثلاثة أوجه ، أن يكون تأكيدا لاسم إنّ فيكون منصوب المحلّ ، وأن يكون مبتدأ خبره ما بعده والجملة خبر إنّ ، وأن يكون فصلا ، وفيه الخلاف المشهور ، وهل له محلّ إعراب أم لا؟ وإذا قيل : إنّ له محلا ، فهل بإعراب ما قبله كقول الفراء فيكون في محلّ نصب ، أو بإعراب ما بعده ، فيكون في محلّ رفع كقول الكسائي؟ و «الحكيم» خبر ثان أو صفة للعليم ، وهما فعيل بمعنى فاعل ، وفيهما من المبالغة ما ليس فيه.
والحكم لغة : الإتقان والمنع من الخروج عن الإرادة ، ومنه حكمة الدابّة وقال جرير :
__________________
(١) تقدم وهو للأعشى.
(٢) البيت لأمية بن أبي الصلت. انظر ديوانه (٣٠) ، وهو من شواهد الكتاب (١ / ١٦٤) ، الخزانة (٢ / ٣٧) ، أمالي ابن الشجري (١ / ٣٤٨) ، الدرر (١ / ١٦٣).
(٣) عمر بن عبيد الذهلي القرطبي من المحدثين العلماء ، توفي سنة ٤٥٤ ه. انظر العبر للذهبي (٣ / ٢٣٣).
(٤) انظر البحر المحيط (١ / ١٤٨).