فيه ، فقيل : تقديره : أسماء المسمّيات ، فحذف المضاف إليه للعلم. قال الزمخشري : «وعوّض منه اللام ، كقوله تعالى : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً)(١) ورجّح هذا القول بقوله تعالى : (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) ، (فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) ولم يقل : أنبئوني بهؤلاء فلمّا أنبأهم بهم. ولكن في قوله : «وعوّض منه اللام» نظر ، لأن الألف واللام لا يقومان مقام الإضافة عند البصريين. وقيل : تقديره مسمّيات الأسماء ، فحذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه ، ورجّح هذا القول بقوله تعالى : (ثُمَّ عَرَضَهُمْ) لأن الأسماء لا تجمع كذلك ، فدلّ عوده على المسمّيات. ونحو هذه الآية قوله تعالى : (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ)(٢) تقديره : أو كذي ظلمات ، فالهاء في «يغشاه» تعود على «ذي» المحذوف.
قوله : (ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ) «ثم» حرف للتراخي كما تقدّم ، والضمير في «عرضهم» للمسمّيات المقدّرة أو لإطلاق الأسماء وإرادة المسمّيات ، كما تقدّم. وقيل : يعود على الأسماء ونقل عن ابن عباس ، ويؤيّده قراءة من قرأ (٣) : «عرضها وعرضهنّ» إلا أنّ في هذا القول جعل ضمير غير العقلاء كضمير العقلاء ، أو نقول : إنما قال ابن عباس ذلك بناء منه أنّه أطلق الأسماء وأراد المسمّيات كما تقدّم وهو واضح. و «على الملائكة» متعلق ب «عرضهم».
قوله : (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) الإنباء : الإخبار ، وأصل «أنبأ» أن يتعدّى لاثنين ثانيهما بحرف الجر كهذه الآية ، وقد يحذف الحرف ، قال تعالى : (مَنْ أَنْبَأَكَ هذا)(٤) أي : بهذا وقد يتضمّن معنى «أعلم» اليقينية ، فيتعدّى تعديتها إلى ثلاثة مفاعيل ، ومثل أنبأ : نبّأ وأخبر ، وخبّر وحدّث. و «هؤلاء» في محلّ خفض بالإضافة ، وهو اسم إشارة ورتبته دنيا ، ويمدّ ويقصر ، كقوله :
٣٥٠ ـ هؤلاء ثمّ هؤلاء كلّا أعطي |
|
ت نعالا محذوّة بمثال (٥) |
والمشهور بناؤه على الكسر ، وقد يضمّ وقد ينوّن مكسورا ، وقد تبدل همزته هاء ، فتقول : هؤلاه ، وقد يقال : هولا ، كقوله :
٣٥١ ـ تجلّد لا يقل هولا هذا |
|
بكى لمّا بكى أسفا عليكا (٦) |
ولامه عند الفارسي همزة فتكون فاؤه ولامه من مادة واحدة ، وعند المبرّد أصلها ياء وإنما قلبت همزة لتطرّفها بعد الألف الزائدة.
قوله : (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) قد تقدّم نظيره ، وجوابه محذوف أي : إن كنتم صادقين فأنبئوني ، والكوفيون والمبرد يرون أنّ الجواب هو المتقدّم ، وهو مردود بقولهم : «أنت ظالم إن فعلت» لأنه لو كان جواب لوجبت الفاء معه ، كما تجب معه متأخرا ، وقال ابن عطية : «إنّ كون الجواب محذوفا هو رأي المبرد وكونه متقدّما هو رأي سيبويه» وهو وهم.
__________________
(١) سورة مريم ، آية (٤).
(٢) سورة النور ، آية (٤٠).
(٣) انظر البحر المحيط (١ / ١٤٦).
(٤) سورة التحريم ، آية (٣).
(٥) البيت للأعشى. انظر ديوانه (١١) ، البحر (١ / ١٣٨) ، القرطبي (١ / ٢٨٤).
(٦) البيت في الخزانة (٢ / ٤٧٠) ، البحر (١ / ١٣٨).