قالُوا
سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ
الْحَكِيمُ (٣٢) قالَ يا آدَمُ
أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ
أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما
تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ)(٣٣)
قوله تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها)
.. هذه الجملة
يجوز إلّا يكون لها محلّ من الإعراب لاستئنافها ، وأن يكون محلّها الجرّ لعطفها
على (قالَ رَبُّكَ). و (عَلَّمَ) هذه متعدية إلى اثنين ، وكانت قبل التضعيف متعدية لواحد
لأنها عرفانية ، فتعدّت بالتضعيف لآخر ، وفرّقوا بين «علم» العرفانية واليقينية في
التعدية ، فإذا أرادوا أن يعدّوا العرفانية عدّوها بالتضعيف ، وإذا أرادوا أن
يعدّوا اليقينة عدّوها بالهمزة ، ذكر ذلك أبو علي الشلوبين ، وفاعل «علّم» يعود على الباري تعالى ، و «آدم»
مفعوله.
وفيه ستة أقوال
:
أرجحها أنه اسم
أعجميّ غير مشتقّ ، ووزنه فاعل كنظائره نحوه : آزر وشالح ، وإنما منع من الصرف
للعلميّة والعجمة الشخصية.
الثاني : أنه
مشتقّ من الأدمة ، وهي حمرة تميل إلى السواد.
الثالث : أنه
مشتقّ من أديم الأرض ، وهو أوجهها ومنع من الصّرف على هذين القولين للوزن
والعلمية.
الرابع : أنه
مشتقّ من أديم الأرض أيضا على هذا الوزن أعني وزن فاعل وهذا خطأ ، لأنه كان ينبغي
أن ينصرف.
الخامس : أنه
عبريّ من الإدام وهو التراب.
السادس : قال
الطبري : «إنه في الأصل فعل رباعي مثل : أكرم ، وسمّي به لغرض إظهار الشيء حتى
تعرف جهته» والحاصل أنّ ادّعاء الاشتقاق فيه بعيد ، لأنّ الأسماء الأعجمية لا
يدخلها اشتقاق ولا تصريف ، وآدم وإن كان مفعولا لفظا فهو فاعل معنى ، و «الأسماء»
مفعول ثان ، والمسألة من باب أعطى وكسا ، وله أحكام تأتي إن شاء الله تعالى.
وقرئ : «علّم» مبنيا للمفعول ، و «آدم» رفعا لقيامه مقام الفاعل. و «كلّها»
تأكيد للأسماء تابع أبدا ، وقد يلي العوامل كما تقدّم. وقوله (الْأَسْماءَ كُلَّها) الظاهر أنه لا يحتاج إلى ادّعاء حذف ، لأنّ المعنى :
وعلّم آدم الأسماء ، ولم يبيّن لنا أسماء مخصوصة ، بل دلّ كلّها على الشمول ،
والحكمة حاصلة بتعلّم الأسماء ، وإن لم يعلم مسمّياتها ، أو يكون أطلق الأسماء
وأراد المسمّيات ، فعلى هذين الوجهين لا حذف. وقيل : لا بدّ من حذف واختلفوا
__________________