والتقديس : التطهير ، ومنه الأرض المقدّسة ، وبيت المقدس ، وروح القدس ، وقال الشاعر :
٣٤٧ ـ فأدركنه يأخذن بالساق والنّسا |
|
كما شبرق الولدان ثوب المقدس (١) |
أي : المطهّر لهم. وقال الزمخشري : «هو من قدّس في الأرض إذا ذهب فيها وأبعد ، فمعناه قريب من معنى نسبّح». انتهى.
قوله تعالى : (قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) أصل إنّي : إنني فاجتمع ثلاثة أمثال ، فحذفنا أحدها ، وهل هو نون الوقاية أو النون الوسطى؟ قولان الصحيح الثاني ، وهذا شبيه بما تقدّم في «إنّا معكم» (٢) وبابه.
والجملة في محلّ نصب بالقول ، و «أعلم» يجوز فيه أن يكون فعلا مضارعا وهو الظاهر ، و «ما» مفعول به ، وهي : إمّا نكرة موصوفة أو موصولة ، وعلى كلّ تقدير فالعائد محذوف لاستكماله الشروط أي : تعلمونه ، وقال المهدوي ، ومكي وتبعهما أبو البقاء : «إنّ» أعلم «اسم بمعنى عالم» كقوله :
٣٤٨ ـ لعمرك ما أدري وإني لأوجل |
|
على أيّنا تعدو المنيّة أوّل (٣) |
ف «ما» يجوز فيها أن تكون في محلّ جرّ بالإضافة أو نصب ب «أعلم» ولم ينوّن «أعلم» لعدم انصرافه ، نحو : «هؤلاء حواجّ بيت الله» ، وهذا مبنيّ على أصلين ضعيفين.
أحدهما : جعل أفعل بمعنى فاعل من غير تفضيل.
والثاني أنّ أفعل إذا كانت بمعنى اسم الفاعل عملت عمله ، والجمهور لا يثبتونها. وقيل : «أعلم» على بابها من كونها للتفضيل ، والمفضّل عليه محذوف ، أي : أعلم منكم ، و «ما» منصوبة بفعل محذوف دلّ عليه أفعل ، أي : علمت ما لا تعلمون ، ولا جائز أن ينصب بأفعل التفضيل لأنه أضعف من الصفة المشبّهة التي هي أضعف من اسم الفاعل الذي هو أضعف من الفعل في العمل ، وهذا يكون نظير ما أوّلوه من قول الشاعر :
٣٤٩ ـ فلم أر مثل الحيّ حيّا مصبّحا |
|
ولا مثلنا يوم التقينا فوارسا |
أكرّ وأحمى للحقيقة منهم |
|
وأضرب منا بالسيوف القوانسا (٤) |
فالقوانس منصوب بفعل مقدّر ، أي ب «ضرب» ، لا ب «أضرب» ، وفي ادّعاء مثل ذلك في الآية الكريمة بعد لحذف شيئين : المفضّل عليه والناصب ل «ما».
(وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣١)
__________________
(١) البيت لامرئ القيس. انظر ديوانه (١٠٤) ، القرطبي (١ / ٢٧٧).
(٢) سورة البقرة ، آية (١٤).
(٣) البيت لمعن بن أوس. انظر ديوانه (٥٧) ، أوضح المسالك (٢ / ٢١٧) ، شرح المفصل لابن يعيش (٤ / ٨٧) ، أمالي ابن الشجري (١ / ٣٢٨).
(٤) البيتان للعباس بن مرداس. انظر ديوانه (ص ٦٩) ، قصيدة رقم (٢٠) ، وتسمى المنصفة ، النوادر (٥٩) ، الأصمعيات (٢٠٥) ، شرح المفصل لابن يعيش (٦ / ١٠٥) ، الحماسة (١ / ٢٤٦) ، الخزانة (٣ / ٥١٧) ، الكشاف (٤ / ٤٢٩) ، المغني (٢ / ٦١٨) ، الحماسة البصرية. القوانس : جمع قونس وهو ما بين أذني الفرس ، أو مقدم رأس الرجل.