و «لكم» متعلّق به أو ب «نسبّح» ، ومعناها العلة ، وقيل : هي زائدة ، فإنّ ما قبلها متعدّ بنفسه ، وهو ضعيف إذ لا تزاد إلّا مع تقديم المعمول أو يكون العامل فرعا ، وقيل : هي معدّية نحو : سجدت لله ، وقيل : هي للبيان ، كهي في قولك : سقيا لك ، فعلى هذا يتعلّق بمحذوف ويكون خبر مبتدأ مضمر أي : تقديسنا لك. وهذا التقدير أحسن من تقدير قولهم : «أعني» لأنه أليق بالموضع. وأبعد من زعم أنّ جملة قوله «ونحن نسبّح» داخلة في حيّز استفهام مقدر تقديره : وأنحن نسبّح أم نتغيّر. واستحسنه ابن عطية مع القول بالاستفهام المحض في قولهم : «أتجعل» ، وهذا يأباه الجمهور ، أعني حذف همزة الاستفهام من غير ذكر «أم» المعادلة وهو رأي الأخفش ، وجعل من ذلك قوله تعالى : (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ)(١) أي : وأتلك نعمة ، وقول الآخر :
٣٤٣ ـ طربت وما شوقا إلى البيض أطرب |
|
ولا لعبا مني وذو الشّيب يلعب (٢) |
أي : وأذو الشيب ، وقول الآخر :
٣٤٤ ـ أفرح أن أرزأ الكرام وأن |
|
أورث ذودا شصائصا نبلا (٣) |
أي : أأفرح ، فأمّا مع «أم» فإنه جائز لدلالتها عليه كقوله :
٣٤٥ ـ فو الله ما أدري وإن كنت داريا |
|
بسبع رمين الجمر أم بثمان (٤) |
أي : أبسبع.
والتسبيح : التنزيه والبراءة ، وأصله من السّبح وهو البعد ، ومنه السابح في الماء ، فمعنى «سبحان الله» أي : تنزيها له وبراءة عمّا لا يليق بجلاله ومنه قول الشاعر :
٣٤٦ ـ أقول لمّا جاءني فخره |
|
سبحان من علقمة الفاخر (٥) |
أي : تنزيها ، وهو مختصّ بالباري تعالى ، قال الراغب في قوله سبحان من علقمة : «إن أصله سبحان علقمة ، على سبيل التهكّم فزاد فيه «من» ، وقيل : تقديره : سبحان الله من أجل علقمة» ، فظاهر قوله أنه يجوز أن يقال لغير الباري تعالى على سبيل التهكّم ، وفيه نظر.
__________________
(١) سورة الشعراء ، آية (٢٢).
(٢) البيت للكميت. انظر أمالي ابن الشجري (١ / ٢٦٧) ، المحتسب (١ / ٥٠) ، الهمع (١ / ١٩٥) ، الدرر (١ / ١٦٧) ، الخصائص (٢ / ٢٨١) ، المغني (١ / ١٤) ، تعليق الفرائد (١ / ٥٢١). والشاهد قوله : (وذو الشيب يلعب) حيث حذف همزة الاستفهام.
(٣) البيت ذكره ابن منظور وهو للحضرمي بن عامر. انظر اللسان (جزأ) ، وهو من شواهد الكشاف (٤ / ٢٩٦) ، التهذيب (١١ / ٢٦٣) (شص) ، حاشية الكشاف للتفتازاني (٢ / ٧٩٠) ، والشاهد فيه قوله : (أفرح) حيث حذف الهمزة على سبيل الإنكار ، وقوله شصائص وهي الناقة التي لا لبن لها.
(٤) البيت لعمرو بن أبي ربيعة. انظر ديوانه (٢٦٦) ، ورواية الصدر فيه :
فو الله ما أدري وإنّي لحاسب |
|
............... |
انظر شرح المفصل (٨ / ١٥٤) ، الخزانة (٤ / ٤٤٧) ، أمالي ابن الشجري (٢ / ٣٣٥) ، المغني (١ / ١٤) ، رصف المباني (٤٥) ، الدرر (٢ / ٨٥) ، الكتاب (٣ / ١٧٥) ، المقتضب (٣ / ٢٩٤) ، الصاحبي (٢٩٧). يصور الشاعر ذهوله من النظر إليهن ، وانصراف باله إليهن ، فلم يعد يذكر أرمين سبعا من الحجرات أم ثمانيا. (٥) البيت للأعشى. انظر ديوانه (١٤٣) ، الخصائص (٢ / ١٩٧) ، الخزانة (٢ / ٤١) ، شرح المفصل لابن يعيش (١ / ٣٧) ، الهمع (١ / ١٦٤) ، الدرر (١ / ١٦٤).