والسّفك : هو الصّبّ ، ولا يستعمل إلا في الدم ، وقال ابن فارس (١) ، والجوهري (٢) : «يستعمل أيضا في الدمع». وقال المهدوي (٣) «ولا يستعمل السفك إلا في الدّم ، وقد يستعمل في نثر الكلام ، يقال : سفك الكلام أي : نثره».
والدّماء : جمع دم ، ولا يكون اسم معرب على حرفين ، فلا بدّ له من ثالث محذوف هو لامه ، ويجوز أن تكون واوا وأن تكون ياء ، لقولهم في التثنية : دموان ودميان ، قال الشاعر :
٣٤٠ ـ فلو أنّا على حجر ذبحنا |
|
جرى الدّميان بالخبر اليقين (٤) |
وهل وزن دم «فعل» بسكون العين أو فعل بفتحها قولان ، وقد يردّ محذوفه ، فيستعمل مقصورا كعصا وغيره ، وعليه قوله :
٣٤١ ـ كأطوم فقدت برغزها |
|
أعقبتها الغبس منه عدما |
غفلت ثم أتت تطلبه |
|
فإذا هي بعظام ودما (٥) |
وقد تشدّد ميمه أيضا ، قال الشاعر :
٣٤٢ ـ أهان دمّك فرغا بعد عزّته |
|
يا عمرو بغيك إصرارا على الحسد (٦) |
وأصل : الدّماء : الدّماو أو الدّماي ، فقلب حرف العلة همزة لوقوعه طرفا بعد ألف زائدة نحو : كساء ورداء.
قوله : (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) الواو للحال ، و (نَحْنُ نُسَبِّحُ) جملة من مبتدأ وخبر ، في محلّ النصب على الحال ، و «بحمدك» متعلق بمحذوف ، لأنه حال أيضا ، والباء فيه للمصاحبة أي نسبّح ملتبسين بحمدك ، نحو : «جاء زيد بثيابه» فهما حالان متداخلتان ، أي حال في حال. وقيل : الباء للسببية ، فتتعلّق بالتسبيح. قال ابن عطية : «ويحتمل أن يكون قولهم : «بحمدك» اعتراضا بين الكلامين ، كأنهم قالوا : ونحن نسبّح ونقدّس ، ثم اعترضوا على جهة التسليم ، أي : وأنت المحمود في الهداية إلى ذلك» قلت : كأنه يحاول أن تكون الباء للسببية ، ولكن يكون ما تعلّقت به الباء فعلا محذوفا لائقا بالمعنى تقديره : حصل لنا التسبيح والتقديس بسبب حمدك.
والحمد هنا : مصدر مضاف لمفعوله ، وفاعله محذوف تقديره : بحمدنا إياك. وزعم بعضهم أن الفاعل مضمر فيه وهو غلط ؛ لأنّ المصدر اسم جامد لا يضمر فيه ، على أنه قد حكي خلاف في المصدر الواقع موقع الفعل نحو : ضربا زيدا ، هل يتحّمل ضميرا أم لا؟ وقد تقدّم.
و «نقدّس» عطف على «نسبّح» فهو خبر أيضا عن «نحن» ومفعوله محذوف أي : نقدّس أنفسنا وأفعالنا لك ،
__________________
(١) أحمد بن فارس بن زكريا بن محمد بن حبيب أبو الحسين اللغوي القزويني صاحب المجمل وغير ذلك ، توفي سنة ٣٩٥ ه. البغية (١ / ٣٥٢).
(٢) تقدمت ترجمته.
(٣) محمد بن إبراهيم المهدوي ، أبو عبد الله. الأعلام (٥ / ٢٩٦).
(٤) البيت للمثقب العبدي. انظر الإنصاف (٣٥٧) ، أمالي ابن الشجري (٢ / ٣٤٤) ، الممتع (٦٢٤) ، شرح المفصل لابن يعيش (٩ / ٢٤) ، الخزانة (٢ / ٣٤٩) ، اللسان (أخا).
(٥) البيتان في أمالي ابن الشجري (٢ / ٣٤) ، رصف المباني (١٦) ، الهمع (١ / ٣٩) ، الدرر (١ / ١٣) ، البحر المحيط (١ / ٢٨١).
(٦) البيت في الهمع (١ / ٢٠) ، الدرر (١ / ١٣).