الثاني : أنه متعلق بمحذوف لأنه حال من النكرة بعده.
القول الثاني : أنه بمعنى مصيّر ، ولم يذكر الزمخشري غيره ، فيكون «خليفة» هو المفعول الأول ، و «في الأرض» هو الثاني قدّم عليه ، ويتعلّق بمحذوف على ما تقرّر. و «خليفة» يجوز أن يكون بمعنى فاعل أي : يخلفكم أو يخلف من كان قبله من الجنّ ، وهذا أصحّ لدخول تاء التأنيث عليه وقيل : بمعنى مفعول أي : يخلف كلّ جيل من تقدّمه ، وليس دخول التاء حينئذ قياسا. إلا أن يقال : إنّ «خليفة» جرى مجرى الجوامد كالنطيحة والذبيحة. وإنما وحّد «خليفة» وإن كان المراد الجمع لأنه أريد به آدم وذريته ، ولكن استغنى بذكره كما يستغنى بذكر أبي القبيلة نحو : مضر وربيعة ، وقيل : المعنى على الجنس.
وقرئ : «خليفة» بالقاف (١).
و «خليفة» منصوب ب «جاعل» كما تقدّم ، لأنّه اسم فاعل. واسم الفاعل يعمل عمل فعله مطلقا إن كان فيه الألف واللام ، وبشرط الحال أو الاستقبال والاعتماد إذا لم يكونا فيه ، ويجوز إضافته لمعموله تخفيفا ما لم يفصل بينهما كهذه الآية.
قوله : (قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ) قد تقدّم أن «قالوا» عامل في (إِذْ قالَ رَبُّكَ) وأنه المختار ، والهمزة في «أتجعل» للاستفهام على بابها ، وقال الزمخشري : «للتعجب» ، وقيل : للتقرير كقوله :
٣٣٨ ـ ألستم خير من ركب المطايا |
|
وأندى العالمين بطون راح (٢) |
وقال أبو البقاء : «للاستشهاد» ، أي : أتجعل فيها من يفسد كمن كان قبل» وهي عبارة غريبة. و «فيها» الأولى متعلقة ب «تجعل» إن قيل : إنها بمعنى الخلق ، و «من يفسد» مفعول به ، وإن قيل إنّها بمعنى التصيير فيكون «فيها» مفعولا ثانيا قدّم على الأول وهو «من يفسد» ، و «من» تحتمل أن تكون موصولة أو نكرة موصوفة ، فعلى الأول لا محلّ للجملة بعدها من الإعراب ، وعلى الثاني محلّها النصب ، و «فيها» الثانية متعلقة ب «يفسد».
و «يسفك» عطف على «يفسد» بالاعتبارين. والجمهور على رفعه.
وقرئ منصوبا (٣) على جواب الاستفهام بعد الواو التي تقتضي الجمع بإضمار «أن» كقوله :
٣٣٩ ـ أتبيت ريّان الجفون من الكرى |
|
وأبيت منك بليلة الملسوع (٤) |
وقال ابن عطية : «منصوب بواو الصرف» وهذه عبارة الكوفيين ، ومعنى واو الصرف أن الفعل كان يقتضي إعرابا فصرفته الواو عنه إلى النصب ، والمشهور «يسفك» بكسر الفاء ، وقرئ بضمّها ، وقرئ أيضا بضم حرف المضارعة من أسفك وقرئ أيضا مشدّدا للتكثير.
__________________
(١) انظر البحر المحيط (١ / ١٤٠).
(٢) البيت لجرير. انظر ديوانه (٨٩) ، شرح المفصل لابن يعيش (٨ / ١٢٣) ، الخصائص (٢ / ٤٦٣) ، المغني (١١) ، شواهد المغني (٤٣) ، اللسان (نقص).
(٣) انظر البحر المحيط (١ / ١٤٢).
(٤) البيت للشريف الرضي. انظر ديوانه (١ / ٤٩٧) ، المغني (٧٤٤) ، الهمع (٢ / ١٣) ، الأشموني (٣ / ٣٠٧) ، الدرر (٢ / ١٠).