لمعنى وهو شبهها بأفعل التفضيل بجامع ما فيها من معنى المبالغة ، وأفعل التفضيل له حكم في التعدّي ، فأعطيت أمثلة المبالغة ذلك الحكم : وهو أنها لا تخلو من أن تكون من فعل متعدّ بنفسه أولا ، فإن كان الأول : فإمّا أن يفهم علما أو جهلا أو لا ، فإن كان الأول تعدّت بالباء نحو : (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ)(١) (وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ)(٢) وزيد جهول بك وأنت أجهل به. وإن كان الثاني تعدّت باللام نحو : أنا أضرب لزيد منك وأنا له ضرّاب ، ومنه (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ)(٣) ، وإن كانت من متعدّ بحرف جر تعدّت هي بذلك الحرف نحو : أنا أصبر على كذا ، وأنا صبور عليه ، وأزهد فيه منك ، وزهيد فيه. وهذا مقرر في علم النحو.
(وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ)(٣٠)
قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ) : «إذ» ظرف زمان ماض ، يخلّص المضارع للمضيّ وبني لشبهه بالحرف في الوضع والافتقار ، وتليه الجمل مطلقا ، فإذا كانت الجملة فعلية قبح تقديم الاسم وتأخير الفعل نحو : إذ زيد قام ، ولا يتصرّف إلا بإضافة الزمن إليه نحو : يومئذ وحينئذ ، ولا يكون مفعولا به ، وإن قال به أكثر المعربين ، فإنهم يقدّرون : اذكر وقت كذا ، ولا ظرف مكان ولا زائدا ولا حرفا للتعليل ولا للمفاجأة خلافا لزاعمي ذلك ، وقد تحذف الجملة المضاف هو إليها للعلم ويعوّض منها تنوين كقوله تعالى : (وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ)(٤) ، وليس كسرته والحالة هذه كسرة إعراب ولا تنوينه تنوين صرف خلافا للأخفش ، بل الكسر لالتقاء الساكنين والتنوين للعوض بدليل وجود الكسر ولا إضافة قال :
٣٣١ ـ نهيتك عن طلابك أمّ عمرو |
|
بعاقبة وأنت إذ صحيح (٥) |
وللأخفش أن يقول : أصله «وأنت حينئذ» فلمّا حذف المضاف بقي المضاف إليه على حاله ولم يقم مقامه ، نحو : (وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ)(٦) بالجر ، إلا أنه ضعيف.
و (قالَ رَبُّكَ) جملة فعلية في محلّ خفض بإضافة الظرف إليها.
واعلم أنّ «إذ» فيه تسعة أوجه :
أحسنها أنه منصوب ب (قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها) أي : قالوا ذلك القول وقت قول الله تعالى لهم : إني جاعل في الأرض خليفة ، وهذا أسهل الأوجه.
الثاني : أنه منصوب ب (اذكر) مقدرا وقد تقدّم أنه لا يتصرّف فلا يقع مفعولا.
__________________
(١) سورة النجم ، آية (٣٢).
(٢) سورة الحديد ، آية (٦).
(٣) سورة هود ، آية (١٠٧).
(٤) سورة الواقعة ، آية (٨٤).
(٥) البيت لأبي ذؤيب الهذلي (١ / ٦٨) ، شرح المفصل لابن يعيش (٩ / ٣١) ، الخصائص (٢ / ٣٧٦) ، المغني (٩١) ، اللسان (شلل).
(٦) سورة الأنفال ، آية (٦٧).