٣٢٦ ـ فأوردتهم ماء بفيفاء قفرة |
|
وقد حلّق النجم اليمانيّ فاستوى (١) |
وقال تعالى : (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ)(٢) ، ومعناه هنا قصد وعمد ، وفاعل استوى ضمير يعود على الله ، وقيل : يعود على الدخان نقله ابن عطية ، وهذا غلط لوجهين :
أحدهما : عدم ما يدلّ عليه.
والثاني : أنه يردّه قوله : «ثمّ استوى إلى السماء ، وهي دخان». و «إلى» حرف انتهاء على بابها ، وقيل : هي بمعنى «على» فيكون في المعنى كقول الشاعر :
٣٢٧ ـ قد استوى بشر على العراق |
|
من غير سيف ودم مهراق (٣) |
أي : استولى ، ومثله قول الآخر :
٣٢٨ ـ فلمّا علونا واستوينا عليهم |
|
تركناهم صرعى لنسر وكاسر (٤) |
وقيل : ثمّ مضاف محذوف ، ضميره هو الفاعل أي استوى أمره ، و «إلى السماء» متعلّق ب «استوى» ، و «فسوّاهنّ» الضمير يعود على السماء : إمّا لأنها جمع سماوة كما تقدّم ، وإمّا لأنّها اسم جنس يطلق على الجمع ، وقال الزمخشري : «هنّ» ضمير مبهم ، و «سبع سموات» يفسّره كقولهم : «ربّه رجلا». وقد ردّ عليه هذا (٥) ، فإنّه ليس من المواضع التي يفسّر فيها الضمير بما بعده لأنّ النحويين حصروا ذلك في سبعة مواضع : ضمير الشأن ، والمجرور ب «ربّ» ، والمرفوع بنعم وبئس وما جرى مجراهما ، وبأوّل المتنازعين والمفسّر بخبره وبالمبدل منه ، ثم قال هذا المعترض : «إلّا أن يتخيّل فيه أن يكون «سبع سموات» بدلا وهو الذي يقتضيه تشبيهه بربّه رجلا ، فإنه ضمير مبهم ليس عائدا على شيء قبله ، لكن هذا يضعف بكون هذا التقدير يجعله ، غير مرتبط بما قبله ارتباطا كليا ، فيكون أخبر بإخبارين :
أحدهما : أنه استوى إلى السماء.
والثاني : أنه سوّى سبع سموات ، وظاهر الكلام أن الذي استوى إيه هو المسوّى بعينه.
قوله : (سَبْعَ سَماواتٍ) في نصبه خمسة أوجه :
أحسنها : أنه بدل من الضمير في «فسوّاهنّ» العائد على السماء كقولك : أخوك مررت به زيد.
الثاني : أنه بدل من الضمير أيضا ، ولكن هذا الضمير يفسّره ما بعده. وهذا يضعف بما ضعف به قول الزمخشري ، وقد تقدّم آنفا.
الثالث : أنه مفعول به ، والأصل : فسوّى منهنّ سبع سموات ، وشبّهوه بقوله تعالى : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ
__________________
(١) البيت من شواهد القرطبي (١ / ٢٥٤).
(٢) سورة المؤمنون ، آية (٢٨).
(٣) البيت في رصف المباني (٤٣١) ، اللسان (سوا) ، البحر (١ / ١٣٤) ، القرطبي (١ / ١٧٦). وذكره الواحدي في البسيط والوسيط في سورة الأعراف.
(٤) انظر البيت في تفسير القرطبي (٣ / ٢٧٨).
(٥) انظر البحر المحيط (١ / ١٣٥).