والجمهور على قراءة «ترجعون» مبنيا للمفعول ، وقرئ مبنيّا للفاعل حيث (١) جاء ، ووجه القراءتين أنّ «رجع» يكون قاصرا ومتعديا ، فقراءة الجمهور من المتعدّي وهي أرجح ؛ لأنّ أصلها : «ثم إليه يرجعكم» لأنّ الإسناد في الأفعال السابقة لله تعالى ، فيناسب أن يكون هذا كذا ولكنه بني للمفعول لأجل الفواصل والقواطع.
وأموات جمع «ميّت» وقياسه على فعائل كسيّد وسيائد ، والأولى أن يكون أموات جمع ميت مخفّفا كأقوال في جمع قيل ، وقد تقدّمت هذه المادة.
(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(٢٩)
قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ) : هو مبتدأ وهو ضمير مرفوع منفصل للغائب المذكر ، والمشهور تخفيف واوه وفتحها ، وقد تشدّد كقوله :
٣٢٤ ـ وإنّ لساني شهدة يشتفى بها |
|
وهوّ على من صبّه الله علقم (٢) |
وقد تسكّن ، وقد تحذف كقوله :
٣٢٥ ـ فبيناه يشري ... |
|
............... (٣) |
والموصول بعده خبر عنه. و «لكم» متعلق بخلق ، ومعناها السببية ، أي : لأجلكم ، وقيل : للملك والإباحة فيكون تمليكا خاصّا بما ينتفع منه ، وقيل : للاختصاص ، و «ما» موصولة و «في الأرض» صلتها ، وهي في محلّ نصب مفعول بها ، و «جميعا» حال من المفعول بمعنى كل ، ولا دلالة لها على الاجتماع في الزمان ، وهذا هو الفارق بين قولك : «جاؤوا جميعا» و «جاؤوا معا» ، فإنّ «مع» تقتضي المصاحبة في الزمان بخلاف جميع. قيل : وهي هنا حال مؤكّدة لأنّ قوله : «ما في الأرض» عامّ.
قوله : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) ، أصل «ثمّ» أن تقتضي تراخيا زمانيا ، ولا زمان هنا ، فقيل : إشارة إلى التراخي بين رتبتي خلق الأرض والسماء. وقيل : لمّا كان بين خلق الأرض والسماء أعمال أخر من جعل الجبال والبركة وتقدير الأقوات ـ كما أشار إليه في الآية الأخرى ـ عطف بثمّ إذ بين خلق الأرض والاستواء إلى السماء تراخ.
واستوى معناه لغة : استقام واعتدل ، من استوى العود. وقيل : علا وارتفع قال الشاعر :
__________________
(١) انظر البحر المحيط (١ / ١٣٢).
(٢) البيت لرجل من همدان. انظر أوضح المسالك (١ / ١٢٦) ، شرح المفصل لابن يعيش (٣ / ٩٦) ، الهمع (١ / ٦١) ، الدرر (١ / ٣٧) ، الخزانة (٢ / ٤٠٠).
(٣) قطعة من صدر بيت للعجيز السلولي وهو :
... رحله قال قائل |
|
لمن جمل رخو الملاط نجيب |
انظر الخصائص (١ / ٦٩) ، شرح المفصل لابن يعيشر (١ / ٦٨) ، أمالي ابن الشجري (٢ / ٢٠٨) ، اللسان (ها).