أي : إعطائك» ، ولا حاجة تدعو إلى ذلك. والمادة تدلّ على الشدّ والربط وجمعه مواثيق ومياثق وأنشد ابن الأعرابي :
٣٢٢ ـ حمى لا يحلّ الدهر إلا بإذننا |
|
ولا نسأل الأقوام عهد المياثق (١) |
و (يَقْطَعُونَ) عطف على (يَنْقُضُونَ) فهي صلة أيضا ، و «ما» موصولة ، و (أَمَرَ اللهُ بِهِ) صلتها وعائدها. وأجاز أبو البقاء أن تكون نكرة موصوفة ، ولا يجوز أن تكون مصدريّة لعود الضمير عليها إلا عند أبي الحسن وابن السراج ، وهي مفعولة بيقطعون.
قوله : (أَنْ يُوصَلَ) فيه ثلاثة أوجه. أحدها : الجرّ على البدل من الضمير في «به» أي : ما أمر الله بوصله ، كقول امرئ القيس :
٣٢٣ ـ أمن ذكر ليلى أن نأتك تنوص |
|
فتقصر عنها خطوة وتبوص (٢) |
أي : أمن نأيها. والنصب وفيه وجهان ، أحدهما : أنّه بدل من ما أمر الله بدل اشتمال. والثاني : أنه مفعول من أجله ، فقدّره المهدوي : كراهة أن يوصل ، وقدّره غيره : أن لا يوصل. والرفع على أنه خبر مبتدأ مضمر أي هو أن يوصل ، وهذا بعيد جدا ، وإن كان أبو البقاء ذكره.
و (يُفْسِدُونَ) عطف على الصلة أيضا و (فِي الْأَرْضِ) متعلّق به. وقوله (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) كقوله : (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). وقد تقدّم أنه يجوز أن تكون هذه الجملة خبرا عن (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ) إذا جعل مبتدأ ، وإن لم يجعل مبتدأ فهي مستأنفة فلا محلّ لها حينئذ. وتقدّم معنى الخسار ، والأمر : طلب الأعلى من الأدنى.
قوله تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ) : «كيف» اسم استفهام يسأل به عن الأحوال ، وبني لتضمّنه معنى الهمزة ، وبني على أخفّ الحركات ، وشذّ دخول حرف الجرّ عليها ، قالوا : «على كيف تبيع الأحمرين» ، وكونها شرطا قليل ، ولا يجزم بها خلافا للكوفيين ، وإذا أبدل منها اسم أو وقع جوابا لها فهو منصوب إن كان بعدها فعل متسلّط عليها نحو : كيف قمت؟ أصحيحا أم سقيما ، وكيف سرت؟ فتقول : راشدا ، وإلّا فمرفوعان ، نحو : كيف زيد؟ أصحيح أم سقيم. وإن وقع بعدها اسم مسؤول عنه بها فهو مبتدأ وهي خبر مقدّم ، نحو : كيف زيد؟ وقد يحذف الفعل بعدها ، قال تعالى : (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ)(٣) أي كيف توالونهم. و «كيف» في هذه الآية منصوبة على التشبيه بالظرف عند سيبويه ، أي : في أيّ حالة تكفرون ، وعلى الحال عند الأخفش ، أي : على أي حال تكفرون ، والعامل فيها على القولين «تكفرون» وصاحب الحال الضمير في تكفرون ، ولم يذكر أبو البقاء غير مذهب الأخفش ، ثم قال : «والتقدير : معاندين تكفرون. وفي هذا التقدير نظر ، إذ يذهب معه معنى الاستفهام المقصود به التعجب أو التوبيخ أو الإنكار ، قال الزمخشري بعد أن جعل الاستفهام للإنكار : «وتحريره أنه إذا أنكر أن يكون لكفرهم حال يوجد عليها ، وقد علم أنّ كلّ موجود لا بدّ له من حال ، ومحال أن يوجد بغير صفة من الصفات كان
__________________
ـ الخصائص (٢ / ٢٢١) ، الأشموني (٢ / ٢٨٨) ، الهمع (١ / ١٨٨) ، التصريح (٢ / ٦٤) ، الدرر (١ / ١٦١).
(١) البيت لعياض بن أم درة. انظر شرح المفصل لابن يعيش (٥ / ١٢٢) ، الخصائص (٣ / ١٥٧) ، النوادر (٦٥) ، القرطبي (١ / ٢٤٧) ، اللسان (وثق).
(٢) البيت في ديوانه (١٧٧) ، البحر (١ / ١٢٨) ، اللسان (بوص).
(٣) سورة التوبة ، آية (٨).