ومعنى «فما فوقها» أي : في الكبر وهو الظاهر ، وقيل : في الصّغر.
قوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا) «أمّا» : حرف ضمّن معنى اسم شرط وفعله ، كذا قدّره سيبويه ، قال : «أمّا» بمنزلة مهما يك من شيء». وقال الزمخشري : «وفائدته في الكلام أن يعطيه فضل توكيد ، تقول : زيد ذاهب ، فإذا قصدت توكيد ذلك وأنه لا محالة ذاهب قلت : أمّا زيد فذاهب» وذكر كلاما حسنا بليغا كعادته في ذلك. وقال بعضهم : «أمّا» حرف تفصيل لما أجمله المتكلّم وادّعاه المخاطب ، ولا يليها إلا المبتدأ ، وتلزم الفاء في جوابها ، ولا تحذف إلّا مع قول ظاهر أو مقدّر كقوله : وأما (الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ ، أَكَفَرْتُمْ)(١) أي : فيقال لهم : أكفرتم ، وقد تحذف حيث لا قول ، كقوله :
٣١٢ ـ فأمّا القتال لا قتال لديكم |
|
ولكنّ سيرا في عراض المواكب (٢) |
أي : فلا قتال ، ولا يجوز أن تليها الفاء مباشرة ولا أن تتأخّر عنها بجز أي جملة لو قلت : «أمّا زيد منطلق ففي الدار» لم يجز ، ويجوز أن يتقدّم معمول ما بعد الفاء عليها ، متليّ أمّا كقوله : وأما (الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ)(٣) ، ولا يجوز الفصل بين أمّا والفاء بمعمول إنّ خلافا للمبرد ، ولا بمعمول خبر ليت ولعلّ خلافا للفراء.
وإن وقع بعدها مصدر نحو : «أمّا علما فعالم» : فإن كان نكرة جاز نصبه عند التميميين برجحان ، وضعف رفعه ، وإن كان معرفة التزموا فيه الرفع. وأجاز الحجازيون فيه الرفع والنصب ، نحو : «أمّا العلم فعالم» ونصب المنكّر عند سيبويه على الحال ، والمعرّف مفعول له. وأمّا الأخفش فنصبهما عنده على المفعول المطلق. والنصب بفعل الشرط المقدّر أو بما بعد الفاء ما لم يمنّع مانع فيتعيّن فعل الشرط نحو : «أمّا علما فلا علم له» أو : فإنّ زيدا عالم ، لأن «لا» و «إنّ» لا يعمل ما بعدهما فيما قبلهما ، وأمّا الرفع فالظاهر أنه بفعل الشرط المقدّر ، أي : مهما يذكر علم أو العلم فزيد عالم ، ويجوز أن يكون مبتدأ وعالم خبر مبتدأ محذوف ، والجملة خبره ، والتقدير : أمّا علم ـ أو العلم ـ فزيد عالم به وجاز الابتداء بالنكرة لأنه موضع تفصيل ، وفيها كلام أطول من هذا.
و (الَّذِينَ آمَنُوا) في محلّ رفع بالابتداء ، و (فَيَعْلَمُونَ) خبره. قوله : (فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) الفاء جواب أمّا ، لما تضمّنته من معنى الشرط و «أنّه الحقّ» سادّ مسدّ المفعولين عند الجمهور ، ومسدّ المفعول الأول فقط والثاني محذوف عند الأخفش أي : فيعلمون حقيقته ثابتة. وقال الجمهور : لا حاجة إلى ذلك لأنّ وجود النسبة فيما بعد «أنّ» كاف في تعلّق العلم أو الظنّ به ، والضمير في «أنّه» عائد على المثل. وقيل : على ضرب المثل المفهوم من الفعل ، وقيل : على ترك الاستحياء. و «الحقّ» هو الثابت ، ومنه «حقّ الأمر» أي ثبت ، ويقابله الباطل.
وقوله : (مِنْ رَبِّهِمْ) في محلّ نصب على الحال من «الحق» أي : كائنا وصادرا من ربهم ، و «من» لابتداء الغاية المجازية. وقال أبو البقاء : «والعامل فيه معنى الحقّ ، وصاحب الحال الضمير المستتر فيه» أي : في الحق ، لأنه مشتق فيتحمّل ضميرا.
قوله : (ما ذا أَرادَ اللهُ) اعلم أنّ «ماذا صنعت» ونحوه له في كلام العرب ستة استعمالات : أن تكون «ما»
__________________
ـ شواهد الكشاف (٤ / ٤٣٤).
(١) سورة آل عمران ، آية (١٠٦).
(٢) البيت للحارث بن خالد المخزومي. انظر أوضح المسالك (٣ / ٢٠٧) ، أمالي ابن الشجري (١ / ٢٨٥) ، الخزانة (١ / ٢١٧) ، الهمع (٢ / ٧٦) ، الدرر (٢ / ٨٤).
(٣) سورة الضحى ، آية (٩).