الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ) انطوى تحته ذكر ما رزقوه في الدارين. ونظير ذلك قوله تعالى : (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما)(١) أي : بجنسي الغنيّ والفقير المدلول عليهما بقوله : غنيا أو فقيرا». انتهى.
قلت : يعني بقوله : «انطوى تحته ذكر ما رزقوه في الدارين» أنه لمّا كان التقدير : مثل الذي رزقناه كان قد انطوى على المرزوقين معا كما أنّ قولك : «زيد مثل حاتم» منطو على زيد وحاتم.
قال الشيخ (٢) : «وما قاله غير ظاهر ، لأنّ الظاهر عوده على المرزوق في الآخرة فقط ، لأنه هو المحدّث عنه ، والمشبّه بالذي رزقوه من قبل ، لا سيما إذا فسّرت القبليّة بما في الجنة ، فإنه يتعيّن عوده على المرزوق في الجنة فقط ، وكذلك إذا أعربت الجملة حالا ، إذ يصير التقدير : قالوا : هذا الذي رزقنا من قبل وقد أتوا به ، لأنّ الحامل لهم على هذا القول كونه أتوا به متشابها وعلى تقدير أن يكون معطوفا على «قالوا» لا يصحّ عوده على المرزوق في الدارين لأنّ الإتيان إذ ذاك يستحيل أن يكون ماضيا معنى ، لأنّ العامل في «كلما» وما في حيّزها يتعيّن هنا أن يكون مستقبل المعنى ، لأنها لا تخلو من معنى الشرط ، وعلى تقدير كونها مستأنفة لا يظهر ذلك أيضا لأنّ هذه الجمل محدّث بها عن الجنة وأحوالها». وقوله «متشابها» حال من الضمير في «به».
قوله : (وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) «لهم» خبر مقدّم و «أزواج» مبتدأ و «فيها» متعلّق بالاستقرار الذي تعلّق به الخبر. قال أبو البقاء : «ولا يكون «فيها» الخبر لأنّ الفائدة تقلّ ، إذ الفائدة في جعل الأزواج لهم». وقوله : «مطهّرة» صفة وأتى بها مفردة على حدّ : «النساء طهرت» ، ومنه قول الشاعر :
٢٩٩ ـ وإذا العذارى بالدّخان تلفّعت |
|
واستعجلت نصب القدور فملّت (٣) |
وقرئ : «مطهّرات» (٤) على حدّ : النساء طهرن. والزوج : ما يكون معه آخر ، ويقال : «زوج» للرجل والمرأة ، وأمّا «زوجة» فقليل ، ونقل الفراء أنها لغة تميم ، وأنشد للفرزدق :
٣٠٠ ـ وإنّ الذي يسعى ليفسد زوجتي |
|
كساع إلى أسد الشّرى يستبيلها (٥) |
وفي الحديث عن عمّار بن ياسر في حقّ عائشة رضي الله عنهما : «والله إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة» ، ذكره البخاري (٦) ، واختاره الكسائي ، والزوج أيضا : الصّنف ، والتثنية : زوجان ، والطهارة : النظافة ، والفعل منها طهر بالفتح ويقلّ بالضم ، واسم الفاعل منها «طاهر» فهو مقيس على الأول شاذ على الثاني كخاثر وحامض من خثر اللبن وحمض بضمّ العين.
قوله : (وَهُمْ فِيها خالِدُونَ) «هم» مبتدأ ، و «خالدون» خبره ، و «فيها» متعلق به ، وقدّم ليوافق رؤوس الآي. وأجازوا أن يكون «فيها» خبرا أول ، و «خالدون» خبر ثان ، وليس هذا بسديد. وهذه الجملة والتي قبلها عطف على الجملة قبلها حسب ما تقدّم. وقال أبو البقاء : «وهاتان الجملتان مستأنفتان ، ويجوز أن تكون الثانية حالا
__________________
(١) سورة النساء ، آية (١٣٥).
(٢) انظر البحر المحيط (١ / ١١٥).
(٣) البيت لسلمى بن ربيعة الضبي. انظر الحماسة (١ / ٢٨٦) ، الهمع (١ / ٦٠) ، الدرر (١ / ٣٥) ، الكشاف (٤ / ٣٥٠).
(٤) انظر البحر المحيط (١ / ١١٧).
(٥) انظر ديوانه (١٣٨) ، الأضداد (٣٢٧).
(٦) أخرجه البخاري (٧ / ١٣٣) ، كتاب الفضائل ، باب فضائل عائشة رضي الله عنها (٣٧٧٢) ، (٧١٠٠ ، ٧١٠١).