والسّورة : الدرجة الرفيعة ، قال النابغة :
٢٧٤ ـ ألم تر أنّ الله أعطاك سورة |
|
ترى كلّ ملك دونها يتذبذب (١) |
وسمّيت سورة القرآن بذلك لأنّ صاحبها يشرف بها وترفعه. وقيل : اشتقاقها من السّؤر وهو البقيّة ، ومنه : «أسأروا في الإناء» قال الأعشى :
٢٧٥ ـ فبانت وقد أسأرت في الفؤا |
|
د صدعا على نأيها مستطيرا (٢) |
أي : أبقت ، ويدلّ على ذلك أنّ تميما وغيرها يهمزون فيقولون : سؤرة بالهمز ، وسمّيت سورة القرآن بذلك لأنها قطعة منه ، وهي على هذا مخففة من الهمزة ، وقيل : اشتقاقها من سور البناء لأنها تحيط بقارئها وتحفظه كسور المدينة ، ولكنّ جمع سورة القرآن سور بفتح الواو ، وجمع سورة البناء سور بسكونها ففرّقوا بينها في الجمع.
قوله تعالى : (وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ) هذه جملة أمر معطوفة على الأمر قبلها ، فهي في محلّ جزم أيضا. ووزن ادعوا : افعوا لأن لام الكلمة محذوف دلالة على السكون في الأمر الذي هو جزم في المضارع ، والواو ضمير الفاعلين و «شهداءكم» مفعول به جمع شهيد كظريف ، وقيل : بل جمع شاهد كشاعر والأول أولى لاطّراد فعلاء في فعيل دون فاعل ، والشهادة : الحضور.
و (مِنْ دُونِ اللهِ) متعلق بادعوا ، أي : ادعوا من دون الله شهداءكم ، فلا تستشهدوا بالله ، فكأنه قال : وادعوا من غير الله من يشهد لكم ، ويحتمل أن يتعلّق ب «شهداءكم» ، والمعنى : ادعوا من اتخذتموه آلهة من دون الله وزعمتم أنهم يشهدون لكم بصحة عبادتكم إياهم ، أو أعوانكم من دون أولياء الله ، أي الذين تستعينون بهم دون الله. أو يكون معنى «من دون الله» بين يدي الله كقوله :
٢٧٦ ـ تريك القذى من دونها وهي دونه |
|
لوجه أخيها في الإناء قطوب (٣) |
أي : تريك القذى قدّامها وهي قدّامه لرقتها وصفائها.
واختار أبو البقاء أن يكون «من دون الله» حالا من «شهداءكم» ، والعامل فيه محذوف ، قال : «تقديره : شهداءكم منفردين عن الله أو عن أنصار الله».
و «دون» من ظروف الأمكنة ، ولا تتصرّف على المشهور إلا بالجرّ ب «من» ، وزعم الأخفش أنها متصرّفة ، وجعل من ذلك قوله تعالى : (وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ)(٤) قال : «دون» مبتدأ ، و «منّا» خبره ، وإنما بني لإضافته إلى مبني ، وقد شذّ رفعه خبرا في قول الشاعر :
٢٧٧ ـ ألم تر أنّي قد حميت حقيقتي |
|
وباشرت حدّ الموت والموت دونها (٥) |
__________________
(١) انظر ديوانه (٢٨) ، المصون (١٥٤) ، البحر (١ / ١٠١) ، القرطبي (١ / ٦٥).
(٢) انظر ديوانه (٣١٧) ، الطبري (١ / ١٠٥).
(٣) البيت للأعشى ورواية العجز في الديوان :
............... |
|
إذا ذاقها من ذاقها يتمطق |
وانظر الجمهرة (٣ / ١١٤).
(٤) سورة الجن ، آية (١١).
(٥) البيت لموسى بن جابر. انظر الحماسة (١ / ٢١٥) ، الشذور (١١٦) ، وهو من شواهد البحر (١ / ١٢٠) ، التصريح (٢٩٠) ، الهمع (١ / ٢١٣). وروى : (ألم تريا أني) وقوله : (حميت حقيقتي) أراد منعت الناس أن يصلوا إليها أو يقربوا منها والحقيقة كل ما يجب أن يدافع الإنسان عنه من عرض أو نفس أو مال ، وحد ـ