على البرق في قول الجمهور ، وعلى الطريق المحذوف في قول المبرد.
و «فيه» متعلّق بمشوا ، و «في» على بابها أي : إنه محيط بهم ، وقيل : هي بمعنى الباء ، ولا بدّ من حذف على القولين ، أي : مشوا في ضوئه أي بضوئه ، ولا محلّ لجملة قوله «مشوا» لأنها مستأنفة.
واعلم أنّ «كلّا» من ألفاظ العموم ، وهو اسم جمع لازم للإضافة ، وقد يحذف ما يضاف إليه ، وهل تنوينه حينئذ تنوين عوض أو تنوين صرف؟ قولان. والمضاف إليه «كل» إن كان معرفة وحذف بقيت على تعريفها ، فلهذا انتصب عنها الحال ، ولا يدخلها الألف واللام ، وإن وقع ذلك في عبارة بعضهم ، وربما انتصبت حالا ، وأصلها أن تستعمل توكيدا كأجمع ، والأحسن استعمالها مبتدأ ، وليس كونها مفعولا بها مقصورا على السماع ، ولا مختصا بالشعر خلافا لزاعم ذلك. وإذا أضيفت إلى نكرة أو معرفة بلام الجنس حسن أن تلي العوامل اللفظية ، وإذا أضيفت إلى نكرة تعيّن اعتبار تلك النكرة فيما لها من ضمير وغيره ، تقول : كلّ رجال أتوك فأكرمهم ، ولا يجوز أن يراعى لفظ «كل» فتقول : كلّ رجال أتاك فأكرمه ، وتقول : كلّ رجل أتاك فأكرمه ، ولا تقول : أتوك فأكرمهم ، اعتبارا بالمعنى ، فأما قوله :
٢٤٩ ـ جادت عليه كلّ عين ثرّة |
|
فتركن كلّ حديقة كالدرهم (١) |
فراعى المعنى فهو شاذ لا يقاس عليه ، وإذا أضيفت إلى معرفة فوجهان ، سواء كانت الإضافة لفظا نحو : (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً)(٢) فراعى لفظ كل ، أو معنى نحو : (فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ)(٣) فراعى لفظها ، وقال : (وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ)(٤) ، فراعى المعنى ، وقول بعضهم : إن «كلّما» تفيد التكرار ، ليس ذلك من وضعها ، فإنك إذا قلت : «كلما جئتني أكرمتك» كان المعنى : أكرمك في كلّ فرد فرد من جيئاتك إليّ.
وقرئ «ضاء» ثلاثيا (٥) ، وهي تدلّ على أنّ الرباعيّ لازم. وقرئ : «وإذا أظلم» مبنيا للمفعول (٦) ، وجعله الزمخشريّ دالّا على أنّ أظلم متعد ، واستأنس أيضا بقول حبيب :
٢٥٠ ـ هما أظلما حاليّ ثمّت أجليا |
|
ظلاميهما عن وجه أمرد أشيب (٧) |
ولا دليل في الآية لاحتمال أن أصله : وإذا أظلم الليل عليهم ، فلمّا بني للمفعول حذف «الليل» وقام «عليهم» مقامه ، وأمّا حبيب فمولّد.
وإنما صدّرت الجملة الأولى بكلما ، والثانية بإذا ، قال الزمخشري : «لأنهم حراص على وجود ما همّهم به معقود من إمكان المشيء وتأتّيه ، فكلّما صادفوا منه فرصة انتهزوها ، وليس كذلك التوقّف والتحبّس» وهذا الذي قاله هو الظاهر ، إلا أنّ من النحويين من جعل أنّ «إذا» تفيد التكرار أيضا (٨) ، وأنشد :
__________________
(١) البيت لعنترة. انظر ديوانه (١٩٦) ، شرح التبريزي على المعلقات (٣٣١) ، الأشموني (٢ / ٢٤٨) ، الهمع (٢ / ٧٤) ، الدرر (٢ / ٩١).
(٢) سورة مريم ، آية (٩٥).
(٣) سورة العنكبوت ، آية (٤٠).
(٤) سورة النمل ، آية (٨٧).
(٥) انظر البحر المحيط (١ / ٩٠).
(٦) انظر المصدر السابق.
(٧) انظر ديوانه (١ / ١٥٧) ، الكشاف (١ / ٨٦) ، البحر (١ / ٩٠).
(٨) انظر البحر المحيط (١ / ٩١).