والثاني : أنه من باب إقامة السبب مقام المسبّب ، فإنّ نهوضه كذا متسبّب عن إثقال ثوبه إياه ، والمعنى : وقد جعلت أنهض نهض الشارب الثمل لإثقال ثوبي إياي.
ووزن كاد كود بكسر العين ، وهي من ذوات الواو ، كخاف يخاف ، وفيها لغة أخرى : فتح عينها ، فعلى هذه اللغة تضمّ فاؤها إذا أسندت إلى تاء المتكلم وأخواتها ، فتقول : كدت وكدنا مثل : قلت وقلنا ، وقد تنقل كسرة عينها إلى فائها مع الإسناد إلى ظاهر ، كقوله :
٢٤٨ ـ وكيد ضباع القفّ يأكلن جثّتي |
|
وكيد خراش عند ذلك ييتم (١) |
ولا يجوز زيادتها خلافا للأخفش ، وسيأتي هذا كله في «كاد» الناقصة ، أمّا «كاد» التامة بمعنى مكر فإنها فعل بفتح العين من ذوات الياء ، بدليل قوله : «إنهم يكيدون كيدا ، وأكيدا» (٢).
و «البرق» اسمها ، و «يخطف» خبرها ، ويقال : خطف يخطف بكسر عين الماضي وفتح المضارع ، وخطف يخطف ، عكس اللغة الأولى ، وفيه قراءات كثيرة ، المشهور منها الأولى : الثانية (٣) : يخطف بكسر الطاء. الثالثة (٤) : يخطّف بفتح الياء والخاء والطاء مع تشديد الطاء ، والأصل : يختطف ، فأبدلت تاء الافتعال طاء للإدغام ، الرابعة (٥) : كذلك إلا أنه بكسر الطاء على أصل التقاء الساكنين. الخامسة (٦) : كذلك إلا أنّه بكسر الخاء إتباعا لكسرة الطاء. السادسة (٧) : كذلك إلا أنه بكسر الياء أيضا إتباعا للخاء ، السابعة (٨) : يختطف على الأصل. الثامنة (٩) : يخطّف بفتح الياء وسكون الخاء وتشديد الطاء (١٠) ، وهي رديئة لتأديتها إلى التقاء ساكنين. التاسعة (١١) : بضم الياء وفتح الخاء وتشديد الطاء مكسورة ، والتضعيف فيه للتكثير لا للتعدية. العاشرة (١٢) : يتخطّف.
والخطف : أخذ شيء بسرعة ، وهذه الجملة ـ أعني قوله : يكاد البرق يخطف ـ لا محلّ لها ، لأنها استئناف ، كأنه قيل : كيف يكون حالهم مع ذلك البرق؟ فقيل : يكاد يخطف ، ويحتمل أن يكون في محلّ جر صفة لذوي المحذوفة ، التقدير : أو كذوي صيب كائد البرق يخطف.
قوله تعالى : (كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ) : «كل» نصب على الظرفية ، لأنها أضيفت إلى «ما» الظرفية ، والعامل فيها جوابها ، وهو «مشوا». وقيل : «ما» نكرة موصوفة ، ومعناها الوقت أيضا ، والعائد محذوف ، تقديره : كلّ وقت أضاء لهم فيه ، فأضاء على الأول لا محلّ له لكونه صلة ، ومحلّه الجرّ على الثاني. و «أضاء» يجوز أن يكون لازما. وقال المبرد : «هو متعدّ ومفعوله محذوف» ، أي : أضاء لهم البرق الطريق ، فالهاء في «فيه» تعود
__________________
(١) البيت لأبي خراش الهذلي. انظر ديوان الهذليين (٢ / ١٤٨) ، وروايته فيه :
فتقعد أو ترضى مكاني خليفة |
|
وكاد خراش يوم ذلك يتيم |
وانظر شرح المفصل لابن يعيش (١٠ / ٧٢) ، المنصف (١ / ٢٥٢) ، الممتع (٤٣٩) ، البحر (١ / ٨٨).
(٢) سورة الطارق ، آية (١٥).
(٣) انظر البحر المحيط (١ / ٨٩).
(٤) انظر المصدر السابق.
(٥) انظر المصدر السابق.
(٦) انظر المصدر السابق.
(٧) انظر المصدر السابق.
(٨) انظر المصدر السابق.
(٩) انظر المصدر السابق.
(١٠) انظر البحر المحيط (١ / ٨٩).
(١١) انظر المصدر السابق.
(١٢) انظر المصدر السابق.