المكان الذي حوله أو مكانا حوله ، فإنه قال : «يقال : ضاءت النار وأضاءت بمعنى ، فعلى هذا تكون «ما» ظرفا وفي «ما» ثلاثة أوجه أحدها : أن تكون بمعنى الذي. والثاني : هي نكرة موصوفة أي : مكانا حوله ، والثالث : هي زائدة» انتهى. وفي عبارته بعض مناقشة ، فإنه بعد حكمه على «ما» بأنّها ظرفية كيف يجوز فيها والحالة هذه أن تكون زائدة ، وإنما أراد : في «ما» هذه من حيث الجملة ثلاثة أوجه ، وقول الشاعر :
٢١٩ ـ أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم |
|
دجى اللّيل حتّى نظّم الجزع ثاقبه (١) |
يحتمل التعدّي واللزوم كالآية الكريمة. وقرأ ابن السّميفع : ضاءت ثلاثيا.
قوله تعالى : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) هذه الجملة الظاهر أنّها جواب «لمّا». وقال الزمخشري : «جوابها محذوف ، تقديره : فلمّا أضاءت خمدت» ، وجعل هذا أبلغ من ذكر الجواب ، وجعل جملة قوله : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) مستأنفة أو بدلا من جملة التمثيل. وقد ردّ عليه بعضهم (٢) هذا بوجهين أحدهما : أنّ هذا تقدير مع وجود ما يغني عنه فلا حاجة إليه ، إذ التقديرات إنما تكون عند الضرورات. والثاني : أنه لا تبدل الجملة الفعلية من الجملة الاسمية.
و (بِنُورِهِمْ) متعلّق ب (ذَهَبَ) ، والباء فيه للتعدية ، وهي مرادفة للهمزة في التعدية ، هذا مذهب الجمهور ، وزعم أبو العباس (٣) أنّ بينهما فرقا ، وهو أن الباء يلزم معها مصاحبة الفاعل للمفعول في ذلك الفعل الذي فعله به والهمزة لا يلزم فيها ذلك. فإذا قلت : «ذهبت بزيد» فلا بد أن تكون قد صاحبته في الذهاب فذهبت معه ، وإذا قلت : «أذهبته» جاز أن يكون قد صحبته وألّا يكون. وقد ردّ الجمهور على المبرّد بهذه الآية لأنّ مصاحبته تعالى لهم في الذهاب مستحيلة. ولكن قد أجاب أبو الحسن ابن عصفور عن هذا بأنه يجوز أن يكون تعالى قد أسند إلى نفسه ذهابا يليق به كما أسند إلى نفسه المجيء والإتيان على معنى يليق به ، وإنما يردّ عليه بقول الشاعر :
٢٢٠ ـ ديار التي كانت ونحن على منى |
|
تحلّ بنا لو لا نجاء الرّكائب (٤) |
أي : تجعلنا حلالا بعد أن كنا محرمين بالحجّ ، ولم تكن هي محرمة حتى تصاحبهم في الحلّ ، وكذا قول امرئ القيس :
٢٢١ ـ كميت يزلّ اللّبد عن حال متنه |
|
كما زلّت الصّفواء بالمتنزّل (٥) |
الصّفو : الصخرة ، وهي لم تصاحب الذي تزلّه.
والضمير في (بِنُورِهِمْ) عائد على معنى (الَّذِي) كما تقدّم ، وقال بعضهم : هو عائد على مضاف محذوف تقديره : كمثل أصحاب الذي استوقد ، واحتاج هذا القائل إلى هذا التقدير قال : «حتى يتطابق المشبّه والمشبّه به ،
__________________
ـ في الاستسقاء رقم (٨) ، (٩) ، والنسائي (٣ / ١٦٠) ، والبيهقي (٣ / ٣٥٣) ، والبخاري في الأدب المفرد (٦١٢) ، وابن خزيمة (١٤٢٣) ، وعبد الرزاق (٤٩١٠) (٤٩١١) ، والطحاوي في معاني الآثار (١ / ٣٢٢) ، والبيهقي في دلائل النبوة (٢ / ٨٩) ، وابن سعد (١ / ١ / ١٧) ، والطبراني في الكبير (١٠ / ٣٤٦) ، وابن أبي شيبة (١٠ / ٢١٩) ، وانظر الدر المنثور (٦ / ٢٨).
(١) البيت لأبي الطمحان القيني. انظر الحماسة (٢ / ٢٧١) ، الحيوان (٣ / ٩٣) ، الكامل (٣٠).
(٢) انظر البحر المحيط (١ / ٧٩).
(٣) المبرد تقدمت ترجمته.
(٤) البيت لقيس بن الخطيم. انظر ديوانه (٧٧) ، الخزانة (٣ / ١٦٤) ، المخصص (١٥ / ٥٧) ، اللسان (حلل) ، البحر (١ / ٨٠).
(٥) البيت من معلقته المشهورة. انظر ديوانه (٢٠) ، شرح القصائد العشر (١١٠) ، وللشنقيطي (٦٥).