اختصاصها بالأسماء كما مرّ ، إلا «ليت» فإنه يجوز فيها الوجهان سماعا ، وأنشدوا قول النابغة :
١٩٠ ـ قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا |
|
إلى حمامتنا ونصفه فقد (١) |
برفع «الحمام» ونصبه ، فأمّا إعمالها فلبقاء اختصاصها ، وأمّا إهمالها فلحملها على أخواتها ، على أنه قد روي عن سيبويه في البيت أنها معملة على رواية الرفع أيضا بأن تجعل «ما» موصولة بمعنى الذي ، كالتي في قوله تعالى : (إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ)(٢) ب «هذا» خبر مبتدأ محذوف هو العائد ، و «الحمام» نعت ل «هذا» و «لنا» خبر لليت ، وحذف العائد وإن لم تظل الصلة ، والتقدير : ألا ليت الذي هو هذا الحمام كائن لنا ، وهذا أولى من أن يدّعى إهمالها ، لأن المقتضى للإعمال ـ وهو الاختصاص ـ باق. وزعم بعضهم أن «ما» الزائدة إذا اتصلت بإنّ وأخواتها جاز الإعمال في الجميع.
و «نحن» مبتدأ ، وهو ضمير مرفوع منفصل للمتكلم ، ومن معه ، أو المعظّم نفسه ، و «مصلحون» خبره ، والجملة في محلّ نصب لأنها محكية بقالوا. والجملة الشرطية وهي قوله : «وإذا قيل لهم» عطف على صلة من ، وهي «يقول» ، أي : ومن الناس من يقول ، ومن الناس من إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا : وقيل : يجوز أن تكون مستأنفة ، وعلى هذين القولين فلا محلّ لها من الإعراب لما تقدم ، ولكنها جزء كلام على القول الأول وكلام مستقل على القول الثاني ، وأجاز الزمخشري وأبو البقاء أن تكون معطوفة على «يكذبون» الواقع خبرا ل «كانوا» ، فيكون محلّها النصب. وردّ بعضهم (٣) عليهما بأنّ هذا الذي أجازاه على أحد وجهي «ما» من قوله «بما كانوا يكذبون» خطأ ، وهو أن تكون موصولة بمعنى الذي ، إذ لا عائد فيها يعود على «ما» الموصولة ، وكذلك إذا جعلت مصدرية فإنها تفتقر إلى العائد عند الأخفش وابن السراج. والجواب عن هذا أنهما لا يجيزان ذلك إلا وهما يعتقدان أن «ما» موصولة حرفية ، وأمّا مذهب الأخفش وابن السراج فلا يلزمهما القول به ، ولكنه يشكل على أبي البقاء وحده فإنه يستضعف كون «ما» مصدرية كما تقدم.
(أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ (١٢) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ)(١٣)
قوله تعالى : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ) : الآية. «ألا» حرف تنبيه واستفتاح ، وليست مركبة من همزة الاستفهام ولا النافية ، بل هي بسيطة ، ولكنها لفظ مشترك بين التنبيه والاستفتاح ، فتدخل على الجملة اسمية كانت أو فعلية ، وبين العرض والتخصيص ، فتختصّ بالأفعال لفظا أو تقديرا ، وتكون النافية للجنس دخلت عليها همزة الاستفهام ، ولها أحكام تقدّم بعضها عند قوله : (لا رَيْبَ فِيهِ)(٤) ، وتكون للتمني فتجري مجرى «ليت» في بعض أحكامها. وأجاز بعضهم أن تكون جوابا بمعنى بلى ، يقول القائل : لم يقم زيد ، فتقول : ألا ، بمعنى بلى قد قام ، وهو غريب.
و «إنهم» «إنّ» واسمها ، و «هم» تحتمل ثلاثة أوجه :
__________________
(١) البيت في ديوانه (١٦) ، المقرب (١ / ١١٠) ،. الخصائص (١٢ / ٤٦٠) ، الخزانة (٤ / ٢٩٧) ، المغني (٧٥) ، الدرر (١ / ١٢١).
(٢) سورة طه ، آية (٦٩).
(٣) البحر المحيط (١ / ٦٣).
(٤) سورة البقرة ، آية (٢).