هكذا قال بعضهم ، وإن كان سيبويه قد أطلق جواز ذلك ، وأشمّ الكسائي : قيل (١) ، وغيض (٢) وجيء (٣) ، وحيل بينهم (٤) ، وسيق الذين (٥) ، وسيء (٦) بهم ، وسيئت وجوه (٧) ، وافقه هشام (٨) في الجميع ، وابن ذكوان في «حيل» وما بعدها ، ونافع في «سيء» و «سيئت» والباقون بإخلاص الكسر في الجميع. والإشمام له معان أربعة في اصطلاح القرّاء سيأتي ذلك في «يوسف» إن شاء الله تعالى عند (ما لَكَ لا تَأْمَنَّا)(٩) فإنه أليق به.
و «لهم» جارّ ومجرور متعلّق بقيل ، واللام للتبليغ ، و «لا» حرف نهي تجزم فعلا واحدا ، «تفسدوا» مجزوم بها ، علامة جزمه حذف النون لأنه من الأمثلة الخمسة ، و «في الأرض» متعلّق به ، والقائم مقام الفاعل هو الجملة من قوله «لا تفسدوا» لأنه هو المقول في المعنى ، واختاره أبو القاسم الزمخشري ، والتقدير : وإذا قيل لهم هذا الكلام أو هذا اللفظ ، فهو من باب الإسناد اللفظي. وقيل (١٠) : القائم مقام الفاعل مضمر تقديره : وإذا قيل لهم قول هو ، ويفسّر هذا المضمر سياق الكلام كما فسّره في قوله : (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ)(١١) والمعنى : «وإذا قيل لهم قول سديد» فأضمر هذا القول الموصوف ، وجاءت الجملة بعده مفسرة فلا موضع لها من الإعراب ، قال : «فإذا أمكن الإسناد المعنويّ لم يعدل إلى اللفظي ، وقد أمكن ذلك بما تقدّم» وهذا القول سبقه إليه أبو البقاء فإنه قال : «والمفعول القائم مقام الفاعل مصدر وهو القول وأضمر لأنّ الجملة بعده تفسّره ، ولا يجوز أن يكون «لا تفسدوا» قائما مقام الفاعل لأنّ الجملة لا تكون فاعلة فلا تقوم مقام الفاعل». انتهى. وقد تقدّم جواب ذلك من أنّ المعنى : وإذا قيل لهم هذا اللفظ ، ولا يجوز أن يكون «لهم» قائما مقام الفاعل إلا في رأي الكوفيين والأخفش ، إذ يجوز عندهم إقامة غير المفعول به مع وجوده. وتلخّص من هذا أنّ جملة قوله : «لا تفسدوا» في محلّ رفع على قول الزمخشري ، ولا محلّ لها على قول أبي البقاء ومن تبعه. والجملة من قوله : «قيل» وما في حيّزه في محلّ خفض بإضافة الظرف إليه. والعامل في «إذا» جوابها عند الجمهور وهو «قالوا» ، والتقدير : قالوا إنما نحن مصلحون وقت القائل لهم لا تفسدوا ، وقال بعضهم (١٢) : «الذي نختاره أنّ الجملة التي بعدها وتليها ناصبة لها ، وأنّ ما بعدها ليس في محلّ خفض بالإضافة لأنها أداة شرط ، فحكمها حكم الظروف التي يجازى بها ، فكما أنك إذا قلت : «متى تقم أقم» كان «متى» منصوبا بفعل الشرط فكذلك «إذا». قال هذا القائل : «والذي يفسد مذهب الجمهور جواز قولك : «إذا قمت فعمرو قائم» ، ووقوع «إذا» الفجائية جوابا لها ، وما بعد الفاء وإذا الفجائية لا يعمل ما بعدهما فيما قبلهما. وهو اعتراض ظاهر.
وقوله : (إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) «إنّ» حرف مكفوف ب «ما» الزائدة عن العمل ، ولذلك تليها الجملة مطلقا ، وهي تفيد الحصر عند بعضهم. وأبعد من زعم أن «إنما» مركبة من «إنّ» التي للإثبات و «ما» التي للنفي ، وأنّ بالتركيب حدث معنى يفيد الحصر. وأعلم أنّ «إنّ» وأخواتها إذا وليتها «ما» الزائدة بطل عملها وذهب
__________________
(١) سورة البقرة ، آية (١١).
(٢) سورة هود ، آية (٤٤).
(٣) سورة الزمر ، آية (٦٩).
(٤) سورة سبأ ، آية (٥٤).
(٥) سورة الزمر ، آية (٧١).
(٦) سورة هود ، آية (٧٧).
(٧) سورة الملك ، آية (٢٧).
(٨) هشام بن عمار بن نصير ابن ميسرة السلمي أبو الوليد قاض من القراء المشهورين من أهل دمشق ، توفي سنة ٢٤٥ ه. غاية النهاية (٢ / ٣٥٤) ، ميزان الاعتدال (٣ / ٢٥٥) ، الأعلام (٨ / ٨٧).
(٩) سورة يوسف ، آية (١١).
(١٠) انظر البحر المحيط (١ / ٦٤).
(١١) سورة ص ، آية (٣٢).
(١٢) انظر البحر المحيط (١ / ٦٤).