حينئذ باقية على زمانيتها أو صارت ظرف مكان أو حرفا؟ ثلاثة أقوال ، أصحّها الأول استصحابا للحال ، وهل تتصرّف أم لا؟ الظاهر عدم تصرّفها ، واستدلّ من زعم تصرّفها بقوله تعالى في قراءة من قرأ (١) : (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ ، لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ ، خافِضَةٌ رافِعَةٌ ، إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا)(٢) بنصب «خافضة رافعة» ، فجعل «إذا» الأولى مبتدأ والثانية خبرها ، التقدير : وقت وقوع الواقعة وقت رجّ الأرض ، وبقوله : (حَتَّى إِذا جاؤُها)(٣) ، (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ)(٤) ، فجعل «حتى» حرف جر و «إذا» مجرورة بها ، وسيأتي تحقيق ذلك في مواضعه. ولا تضاف إلا إلى الجمل الفعلية خلافا للأخفش.
وقوله تعالى : (قِيلَ) فعل ماض مبنيّ للمفعول ، وأصله : قول كضرب فاستثقلت الكسرة على الواو ، فنقلت إلى القاف بعد سلب حركتها ، فسكنت الواو بعد كسرة فقلبت ياء ، وهذه أفصح اللغات ، وفيه لغة ثانية وهي الإشمام ، والإشمام عبارة عن جعل الضمة بين الضم والكسر ، ولغة ثالثة وهي إخلاص الضم ، نحو : قول وبوع ، قال الشاعر :
١٨٧ ـ ليت وهل ينفع شيئا ليت |
|
ليت شبابا بوع فاشتريت (٥) |
وقال آخر :
١٨٨ ـ حوكت على نيرين إذ تحاك |
|
تختبط الشّوك ولا تشاك (٦) |
وقال الأخفش : «ويجوز «قيل» بضم القاف والياء» يعني مع الياء لا أنّ الياء تضمّ أيضا. وتجيء هذه اللغات الثلاث في اختار وانقاد وردّ وحبّ ونحوها ، فتقول : اختير بالكسر والإشمام واختور ، وكذلك انقيد وانقود وردّ وردّ ، وأنشدوا :
١٨٩ ـ وما حلّ من جهل حبا حلمائنا |
|
ولا قائل المعروف فينا يعنّف (٧) |
بكسر حاء «حلّ» وقرئ : ولو ردوا (٨) بكسر الراء ، والقاعدة فيما لم يسمّ فاعله أن يضمّ أول الفعل مطلقا ، فإن كان ماضيا كسر ما قبل آخره لفظا نحو : ضرب أو تقديرا نحو : قيل واختير ، وإن كان مضارعا فتح لفظا نحو يضرب أو تقديرا نحو : يقال ويختار ، وقد يضمّ ثاني الماضي أيضا إذا افتتح بتاء مطاوعة نحو تدحرج الحجر ، وثالثه إن افتتح بهمزة وصل نحو : انطلق بزيد.
واعلم أن شرط جواز اللغات الثلاث في قيل وغيض ونحوهما ألّا يلبس ، فإن ألبس عمل بمقتضى عدم اللّبس ،
__________________
(١) ستأتي في كلام المصنف رحمهالله.
(٢) سورة الواقعة ، آيات (١ ـ ٤).
(٣) سورة الزمر ، آية (٧١).
(٤) سورة يونس ، آية (٢٢).
(٥) البيت لرؤبة. انظر ملحقات ديوانه (١ / ٢٠٦) ، شرح المفصل لابن يعيش (٧ / ٧٠) ، الهمع (١ / ٢٤٨) ، الدرر (١ / ٢٠٦).
(٦) البيت لرؤبة وليس في ديوانه. انظر أوضح المسالك (١ / ٣٨٧) ، الأشموني (٢ / ٦٣) ، الهمع (٢ / ١٢٥) ، العيني (٢ / ٥٢٦) ، الدرر (٢ / ٢٢٣).
(٧) البيت للفرزدق. انظر ديوانه (٢ / ٢٩) ، الكتاب (٤ / ١١٨) ، المحتسب (١ / ٣٤٦) ، المنصف (١ / ٢٥٠) ، اللسان (حلل) ، والشاهد فيه مراعاة كسرة الثاني من حل التي هي في أصل الفعل قبل إدغامه فيشم الحاء الكسرة لذلك.
(٨) سورة الأنعام ، آية (٢٨).