المشدد بمعنى المخفّف. وقرأ الكوفيون (١) : «يكذبون» بالفتح والتخفيف ، والباقون بالضمّ والتشديد.
ويكذّبون مضارع كذّب بالتشديد ، وله معان كثيرة : الرّمي بكذا ، ومنه الآية الكريمة ، والتعدية نحو : فرّحت زيدا ، والتكثير نحو : قطّعت الأثواب ، والجعل على صفة نحو : قطّرته أي : جعلته مقطّرا ، ومنه :
١٨٢ ـ قد علمت سلمى وجاراتها |
|
ما قطّر الفارس إلّا أنا (٢) |
والتسمية نحو : فسّقته أي سمّيته فاسقا ، والدعاء له نحو : سقّيته أي قلت له : سقاك الله ، أو الدعاء عليه نحو : عقّرته ، أي : قلت له : عقرا لك ، والإقامة على شيء نحو : مرّضته ، والإزالة نحو : قذّيت عينه أي أزلت قذاها ، والتوجّه نحو : شرّق وغرّب ، أي : توجّه نحو الشرق والغرب ، واختصار الحكاية نحو : أمّن قال : آمين ، وموافقة تفعّل وفعل مخففّا نحو : ولّى بمعنى تولّى ، وقدّر بمعنى قدر ، والإغناء عن تفعّل وفعل مخففا نحو : حمّر أي تكلّم بلغة حمير ، قالوا : «من دخل ظفار حمّر» وعرّد (٣) في القتال هو بمعنى عرد مخففا ، وإن لم يلفظ به.
و «الكذب» اختلف الناس فيه ، فقائل : هو الإخبار عن الشيء بغير ما هو عليه ذهنا وخارجا ، وقيل : بغير ما هو عليه في الخارج سواء وافق اعتقاد المتكلم أم لا. وقيل : الإخبار عنه بغير اعتقاد المتكلّم سواء وافق ما في الخارج أم لا ، والصدق نقيضه ، وليس هذا موضع ترجيح.
قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) : الآية. «إذا» ظرف زمن مستقبل ويلزمها معنى الشرط غالبا ، ولا تكون إلا في الأمر المحقق أو المرجّح وقوعه فلذلك لم تجزم إلا في شعر لمخالفتها أدوات الشرط ، فإنها للأمر المحتمل ، ومن الجزم قوله :
١٨٣ ـ ترفع لي خندف والله يرفع لي |
|
نارا إذا خمدت نيرانهم تقد (٤) |
وقال آخر :
١٨٤ ـ واستغن ما أغناك ربّك بالغنى |
|
وإذا تصبك خصاصة فتجمّل (٥) |
وقول الآخر :
إذا قصرت أسيافنا كان وصلها |
|
خطانا إلى أعدائنا فنضارب (٦) |
فقوله : «فنضارب» مجزوم لعطفه على محلّ قوله «كان وصلها». وقال الفرزدق :
١٨٦ ـ فقام أبو ليلى إليه ابن ظالم |
|
وكان إذا ما يسلل السّيف يضرب (٧) |
وقد تكون للزمن الماضي ك «إذ» ، كما قد تكون إذ للمستقبل ك «إذا» ، وتكون للمفاجأة أيضا ، وهل هي
__________________
(١) عاصم وحمزة والكسائي.
(٢) البيت لعمرو بن معد يكرب. انظر الكتاب (١ / ٣٥٣) ، شرح المفصل لابن يعيش (٣ / ١٠١).
(٣) والعرود : الهروب.
(٤) البيت للفرزدق. انظر ديوانه (٢١٦) ، الكتاب (١ / ٤٣٤) ، شرح المفصل لابن يعيش (٧ / ٤٧).
(٥) البيت لعبد قيس بن خفاف. انظر الأصمعيات (٢٣٠) ، الخزانة (٢ / ١٧٦) ، المفضليات (٢٣٠) ، الدرر (١ / ١٧٣).
(٦) البيت لشهم بن مرة. انظر الكتاب (١ / ٤٣٤) ، المفضليات (٢٠٧) ، الحماسة الشجرية (١ / ١٨٦) ، وأماليه (١ / ٣٣٣).
(٧) البيت في شرح المفصل لابن يعيش (٨ / ٢٣٤). الخزانة (٣ / ١٨٥).