١٧٩ ـ في ليلة مرضت من كلّ ناحية |
|
فما يحسّ بها نجم ولا قمر (١) |
أي لظلمتها ، ويجوز أن يكون أراد بمرضت فسدت ، ثم بيّن جهة الفساد بالظلمة.
وقوله : (فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً) : هذه جملة فعلية معطوفة على الجملة الأسمية قبلها ، متسبّبة عنها ، بمعنى أنّ سبب الزيادة حصول المرض في قلوبهم ، إذ المراد بالمرض هنا الغل والحسد لظهور دين الله تعالى. و «زاد» يستعمل لازما ومتعديا لاثنين ثانيهما غير الأول كأعطى وكسا ، فيجوز حذف معموليه وأحدهما اختصارا واقتصارا ، تقول : زاد المال ، فهذا لازم ، وزدت زيدا خيرا ، ومنه (وَزِدْناهُمْ هُدىً)(٢) ، (فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً)(٣) «وزدت زيدا» ولا تذكر ما زدته ، وزدت مالا ، ولا تذكر من زدته وألف «زاد» منقلبة عن ياء لقولهم : يزيد.
(وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) نظير قوله تعالى : (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ)(٤) وقد تقدّم. وأليم هنا بمعنى مؤلم ، كقوله :
١٨٠ ـ ونرفع من صدور شمردلات |
|
يصكّ وجوهها وهج أليم (٥) |
ويجمع على فعلاء كشريف وشرفاء ، وأفعال مثل : شريف وأشراف ، ويجوز أن يكون فعيل هنا للمبالغة محوّلا من فعل بكسر العين ، وعلى هذا يكون نسبة الألم إلى العذاب مجازا ، لأن الألم حلّ بمن وقع به العذاب لا بالعذاب ، فهو نظير قولهم : شعر شاعر.
و (بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) متعلّق بالاستقرار المقّدر في «لهم» أي : استقر لهم عذاب أليم بسبب تكذيبهم. و «ما» يجوز أن تكون مصدرية أي بكونهم يكذبون وهذا على القول بأنّ ل «كان» مصدرا ، وهو الصحيح عند بعضهم للتصريح به في قول الشاعر :
١٨١ ـ ببذل وحلم ساد في قومه الفتى |
|
وكونك إيّاه عليك يسير (٦) |
فقد صرّح بالكون ، ولا جائز أن يكون مصدر كان التامة لنصبه الخبر بعدها ، وهو : «إياه» ، على أن للنظر في هذا البيت مجالا ليس هذا موضعه. وعلى القول بأن لها مصدرا لا يجوز التصريح به معها ، لا تقول : «كان زيد قائما كونا» ، قالوا : لأن الخبر كالعوض من المصدر ، ولا يجمع بين العوض والمعوّض منه ، وحينئذ فلا حاجة إلى ضمير عائد على «ما» لأنها حرف مصدريّ على الصحيح خلافا للأخفش وابن السراج في جعل المصدريّة اسما. ويجوز أن تكون «ما» بمعنى الذي ، وحينئذ فلا بدّ من تقدير عائد أي : بالذي كانوا يكذّبونه ، وجاز حذف العائد لاستكمال الشروط ، وهو كونه منصوبا متصلا بفعل ، وليس ثمّ عائد آخر. وزعم أبو البقاء أنّ كون ما موصولة اسمية هو الأظهر ، قال : «لأن الهاء المقدرة عائدة على «الذي» لا على المصدر» وهذا الذي قاله غير لازم ، إذ لقائل أن يقول : لا نسلّم أنه لا بدّ من هاء مقدرة ، حتى يلزم جعل «ما» اسمية ، بل من قرأ «يكذبون» مخففا فهو عنده غير متعدّ لمفعول ، ومن قرأه مشدّدا فالمفعول محذوف لفهم المعنى أي : بما كانوا يكذّبون الرسول والقرآن ، أو يكون
__________________
(١) البيت من شواهد البحر (١ / ٥٣).
(٢) سورة الكهف ، آية (١٣).
(٣) سورة البقرة ، آية (١٠).
(٤) سورة البقرة ، آية (٧).
(٥) البيت لذي الرمة. انظر ديوانه (٦٧٧) ، الأضداد (٨٤) ، القرطبي (١ / ١٣٩).
(٦) البيت في شرح ابن عقيل (١ / ٢٧٠) (٦٤). وانظر الأشموني (١ / ٢٣١) ، الهمع (١ / ١١٤) ، الدرر (١ / ٨٣).