موهم صاحبه خلاف ما يريد به من المكروه ، وقيل : هو الفساد قال الشاعر :
١٧٥ ـ أبيض اللّون لذيذ طعمه |
|
طيّب الرّيق إذا الرّيق خدع (١) |
أي : فسد والمصدر الخدع بكسر الخاء ومثله : الخديعة ، ومعنى يخادعون الله أي من حيث الصورة لا من حيث المعنى ، وقيل : لعدم عرفانهم بالله تعالى وصفاته ظنوه ممن يخادع.
وقال أبو القاسم الزمخشري : «إن اسم الله تعالى مقحم ، والمعنى : يخادعون الذين آمنوا ويكون من باب : «أعجبني زيد وكرمه» المعنى : أعجبني كرم زيد وإنما ذكر «زيد» توطئة لذكر كرمه» ، وجعل ذلك نظير قوله تعالى : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ، إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) وهذا منه غير مرض لأنه إذا صح نسبة مخادعتهم إلى الله تعالى بالأوجه المتقدمة فلا ضرورة تدعوا إلى ادعاء زيادة اسم الله تعالى وأما «أعجبني زيد وكرمه» فإن الإعجاب أسند إلى زيد بجملته ، ثم عطف عليه بعض صفاته تمييزا لهذه الصفة من بين سائر الصفات للشرف ، فصار من حيث المعنى نظيرا لقوله تعالى : (وَمَلائِكَتِهِ) وكتبه ورسوله (وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ).
وفاعل له معان خمسة : المشاركة المعنوية نحو : «ضارب زيد عمرا» وموافقة المجرد نحو : «جاوزت زيدا» أي جزته ، وموافقة أفعل متعديا نحو : «باعدت زيدا وأبعدته» ، والإغناء عن أفعل نحو : «واريت الشيء» ، وعن المجرد نحو : سافرت وقاسيت وعاقبت ، والآية فيها فاعل يحتمل المعنيين الأوّلين : أمّا المشاركة فالمخادعة منهم لله تعالى تقدّم معناها ، ومخادعة الله إياهم من حيث إنه أجرى عليهم أحكام المسلمين في الدنيا ، ومخادعة المؤمنين لهم كونهم امتثلوا أمر الله تعالى فيهم ، وأمّا كونه بمعنى المجرد فيبيّنه قراءة ابن مسعود (٢) وأبي حيوة (٣) : «يخدعون».
وقرأ أبو عمرو والحرميان (٤) : «وما يخادعون» كالأولى ، والباقون : (وَما يَخْدَعُونَ) فيحتمل أن تكون القراءتان بمعنى واحد ، أي يكون فاعل بمعنى فعل ، ويحتمل أن تكون المفاعلة على بابها ، أعني صدورها من اثنين ، فهم يخادعون أنفسهم ، حيث يمنّونها الأباطيل ، وأنفسهم تخادعهم حيث تمنّيهم ذلك أيضا فكأنها محاورة بين اثنين ، ويكون هذا قريبا من قول الآخر :
١٧٦ ـ لم تدر ما لا ولست قائلها |
|
عمرك ما عشت آخر الأبد |
ولم تؤامر نفسيك ممتريا |
|
فيها وفي أختها ولم تكد (٥) |
وقال آخر :
١٧٧ ـ يؤامر نفسيه وفي العيش فسحة |
|
أيستوقع الذّوبان أم لا يطورها (٦) |
__________________
(١) البيت لسويد بن أبي كاهل. انظر المفضليات (١٩١) ، اللسان (خدع).
(٢) عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي أبو عبد الرحمن صحابي من أكابرهم فضلا وعقلا وقربا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو من أهل مكة ومن السابقين إلى الإسلام وأول من جهر بقراءة القرآن بمكة ، توفي سنة ٣٢ ه. الإصابة (٤٩٥٥) ، غاية النهاية (١ / ٤٥٨) ، حلية الأولياء (١ / ١٢٤) ، الأعلام (٤ / ١٣٧).
(٣) شريح بن يزيد الحضرمي من أعلام القراءات توفي سنة (٢٠٣) ه. انظر غاية النهاية (١ / ٣٢٥).
(٤) وهما نافع وابن كثير رحمهماالله تعالى.
(٥) انظر البيتين الحجة لأبي علي الفارسي (١ / ٢٣٨). البحر (١ / ٥٧).
(٦) البيت لرجل من فزارة. انظر الحجة (١ / ٢٣٨) ، البحر (١ / ٥٧).