١٤٨ ـ تطاللت فاستشرفته فعرفته |
|
فقلت له أأنت زيد الأرانب (١) |
وروى عن ورش (٢) إبدال الثانية ألفا محضة ، ونسب الزمخشري هذه القراءة للحن قال : «لأنه يؤدي إلى الجمع بين ساكنين على غير حدهما ، ولأن تخفيف مثل هذه الهمزة إنما هو بين بين» وهذا منه ليس بصواب لثبوت هذه القراءة تواترا ، وللقراء في نحو هذه الآية عمل كثير وتفصيل منتشر.
(خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ)(٧)
قوله تعالى : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) الآية ، (عَلى قُلُوبِهِمْ) متعلق بختم و (عَلى سَمْعِهِمْ) يحتمل عطفه على قلوبهم وهو الظاهر للتصريح بذلك ، أعني نسبة الختم إلى السمع قوله تعالى : (وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ)(٣) ويحتمل أن يكون خبرا مقدما وما بعده عطف عليه و «غشاوة» مبتدأ ، وجاز الابتداء بها لأن النكرة متى كان خبرها ظرفا أو حرف جر تاما وقدم عليها ، جاز الابتداء بها ، ويكون تقديم الخبر حينئذ واجبا لتصحيحه الابتداء بالنكرة ، والآية من هذا القبيل وهذا بخلاف قوله تعالى : (وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ)(٤) لأن في تلك الآية مسوغا آخر وهو الوصف ، فعلى الاحتمال الأول يوقف على (سَمْعِهِمْ) ويبتدأ بما بعده وهو (وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) فعلى أبصارهم خبر مقدم ، وغشاوة مبتدأ مؤخر ، وعلى الاحتمال الثاني يوقف على (قُلُوبِهِمْ) وإنما كرر حرف الجر وهو «على» ليفيد التأكيد أو ليشعر ذلك بتغاير الختمين وهو أن ختم القلوب غير ختم الأسماع ، وقد فرق النحويون بين : «مررت بزيد وعمرو» وبين : «مررت بزيد وبعمرو» فقالوا : في الأول هو مرور واحد ، وفي الثاني هما مروران ، وهو يؤيد ما قلته إلا أن التعليل بالتأكيد يشمل الإعرابين أعني جعل (وَعَلى سَمْعِهِمْ) معطوفا على قوله : (عَلى قُلُوبِهِمْ) وجعله خبرا مقدما ، وإما التعليل بتغاير الختمين فلا يجيء إلا على الاحتمال الأول ، وقد يقال على الاحتمال الثاني أن تكرير الحرف يشعر بتغاير الغشاوتين ، وهو أن الغشاوة على السمع غير الغشاوة على البصر كما تقدم ذلك في الختمين.
وقرئ : «غشاوة» نصبا وفيه ثلاثة أوجه :
الأول : على إضمار فعل لائق أي : وجعل على أبصارهم غشاوة ، وقد صرح بهذا العامل في قوله تعالى : (وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً)(٥).
والثاني : الانتصاب على إسقاط حرف الجر ويكون (وَعَلى أَبْصارِهِمْ) معطوفا على ما قبله والتقدير : ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم بغشاوة ، ثم حذف حرف الجر فانتصب ما بعده كقوله :
١٤٩ ـ تمرّون الدّيار ولم تعوجوا |
|
كلامكم عليّ إذا حرام (٦) |
__________________
ـ لابن يعيش (٩ / ١١٩) ، أمالي ابن الشجري (١ / ٣٢١) ، أمالي القالي (٢ / ٦٧) ، الأزهية (٢١) ، الدرر (١ / ١٤٧) ، الإنصاف (٢٨٣) ، اللسان (جلل).
(١) البيت لذي الرمة. انظر ملحقات ديوانه (٨٤٩) ، اللسان (الهمزة).
(٢) عثمان بن سعيد بن عديّ المصري : من كبار القراء. غلب عليه لقب «ورش» لشدة بياضه. أصله من القيروان ومولده ووفاته بمصر سنة ١٩٧ ه. غاية النهاية (١ / ٥٠٢) ، إرشاد الأريب (٥ / ٣٣).
(٣) سورة الجاثية ، آية (٢٣).
(٤) سورة الأنعام ، آية (٢).
(٥) سورة الجاثية ، آية (٢٣).
(٦) البيت لجرير ورواية الصدر في الديوان هكذا (٤١٦) :
(٧) أتمضون الرّسوم ولا تحيّا |
|
............... |
وانظر شرح المفصل لابن يعيش (٨ / ٨) ، الدرر ـ