أي تمرون بالديار ولكنه غير مقيس.
والثالث : أن يكون «غشاوة» اسما وضع موضع المصدر الملاقى لختم في المعنى ، لأن الختم والتغشية يشتركان في معنى الستر فكأنه قيل : «وختم تغشية» على سبيل التأكيد فهو من باب «قعدت جلوسا» وتكون قلوبهم وسمعهم وأبصارهم مختوما عليها مغشاة.
وقال الفارسي : «قراءة الرفع أولى لأن النصب : إما أن تحمله على ختم الظاهر فيعرض في ذلك أنك حلت بين حرف العطف والمعطوف به ، وهذا عندنا إنما يجوز في الشعر ، وإما أن تحمله على فعل يدل عليه «ختم» تقديره : وجعل على أبصارهم غشاوة فيجيء الكلام من باب :
١٥٠ ـ يا ليت زوجك قد غدا |
|
متقلّدا سيفا ورمحا (١) |
وقوله :
١٥١ ـ علفتها تبنا وماء باردا |
|
حتّى شتت همّالة عيناها (٢) |
ولا تكاد تجد هذا الاستعمال في حال سعة ولا اختيار» واستشكل بعضهم هذه العبارة وقال : «لا أدري ما معنى قوله : «لأن النصب إما أن تحمله على ختم الظاهر» وكيف تحمل «غشاوة» المنصوب على «ختم» الذي هو فعل وهذا ما لا حمل فيه؟.
ثم قال : اللهم إلا أن يكون أراد أن قوله تعالى : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) دعاء عليهم لا خبر ، ويكون غشاوة في معنى المصدر المدعو به عليهم القائم مقام الفعل ، فكأنه قيل : وغشى الله على أبصارهم ، فيكون إذ ذاك معطوفا على (خَتَمَ) عطف المصدر النائب مناب فعله في الدعاء نحو : «رحم الله زيدا وسقيا له» فتكون إذ ذاك قد حلت بين (غِشاوَةٌ) المعطوف وبين (خَتَمَ) المعطوف عليه بالجار والمجرور» انتهى.
وهو تأويل حسن إلا أن فيه مناقشة لفظية لأن الفارسي ما ادعى الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه إنما ادعى الفصل بين حرف العطف والمعطوف به ، أي بالحرف فتحرير التأويل أن يقال : فيكون قد حلت بين غشاوة وبين حرف العطف بالجار والمجرور.
وقرئ : «غشاوة» بفتح العين (٣) وضمها و «عشاوة» (٤) بالمهملة ، وأصوب القراءات المشهورة لأن الأشياء
__________________
ـ (٢ / ١٠٧) ، رصف المباني (٢٤٧) ، الخزانة (٩ / ١١٨) ، الكامل (١ / ٣٤) ، المقرب (١ / ١١٥) ، شرح ابن عقيل (١ / ٥٣٨) ، المغني (١ / ١٠٢). قوله : (تعوجوا) يقال : عاج فلان بالمكان إذا أقام به.
(١) البيت لعبد الله بن الزبعرى. انظر الخصائص (٢ / ٤٣١) ، أمالي ابن الشجري (٢ / ٣٢١) ، الإنصاف (٢ / ٦١٢) ، شرح المفصل لابن يعيش (٢ / ٥٠) ، الكامل (١ / ٣٣٤) ، مجاز القرآن (٢ / ٦٨) ، تأويل المشكل (٢١٤) ، شرح القصائد العشر (٢٤٧) ، المقتضب ٢ / ٥٠ ، الطبري (١١ / ٥٧٧).
(٢) البيت لذي الرمة وليس في ديوانه. انظر الخصائص (٢ / ٣٢١) ، شرح المفصل لابن يعيش (٢ / ٨) ، الهمع (٢ / ١٣٠) ، الإنصاف (٢ / ٦١٣) ، الدرر (٢ / ١٦٩) ، العيني (٣ / ١٠١) ، معاني الفراء (١ / ١٤ ، ٣ / ١٢٤) ، تأويل المشكل (٢١٣) ، شرح المفضليات (١ / ١٢٦) ، ابن الشجري (٢ / ٣٢١) ، أوضح المسالك (١ / ٢٩٨) ، المغني (٢ / ٦٣٢) ، اللسان (قلد). المعنى : قد أشبعت الدابة تبنا وأرويتها ماء حتى فاضت عيناها بالدموع من الشبع على عادة الدواب.
(٣) انظر البحر المحيط (١ / ٤٩).
(٤) انظر البحر المحيط (١ / ٤٩).