وقال آخر :
١٣٧ ـ أفلح بما شئت فقد يبلغ بال |
|
ضّعف وقد يخدع الأريب (١) |
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)(٦)
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ) : الآية ، (إِنَ) حرف توكيد ينصب الاسم ويرفع الخبر خلافا للكوفيين بأن رفعه بما كان قبل دخولها ، وتخفف فتعمل وتهمل ، ويجوز فيها أن تباشر الأفعال ، لكن النواسخ غالبا وتختص بدخول لام الابتداء في خبرها أو معموله المقدم أو اسمها المؤخر ، ولا يتقدم خبرها إلا ظرفا أو مجرورا ، وتختص أيضا بالعطف على محل اسمها. ولها ولأخواتها أحكام كثيرة لا يليق ذكرها بهذا الكتاب.
و (الَّذِينَ كَفَرُوا) اسمها و (كَفَرُوا) صلة وعائد و (لا يُؤْمِنُونَ) خبرها وما بينهما اعتراض و (سَواءٌ) مبتدأ و (أَأَنْذَرْتَهُمْ) وما بعده في قوة التأويل بمفرد هو الخبر والتقدير : سواء عليهم الإنذار وعدمه ، ولم يحتج هنا إلى رابط لأن الجملة نفس المبتدأ. ويجوز أن يكون (سَواءٌ) خبرا مقدما و «أنذرتهم» بالتأويل المذكور مبتدأ مؤخر تقديره : الإنذار وعدمه سواء. وهذه الجملة يجوز فيها أن تكون معترضة بين اسم إن وخبرها وهو (لا يُؤْمِنُونَ) كما تقدم ، ويجوز أن تكون هي نفسها خبرا لإن ، وجملة (لا يُؤْمِنُونَ) في محل نصب على الحال أو مستأنفة ، أو تكون دعاء عليهم بعدم الإيمان وهو بعيد ، أو تكون خبرا بعد خبر على رأي من يجوز ذلك ، ويجوز أن يكون (سَواءٌ) وحده خبر إن و (أَأَنْذَرْتَهُمْ) وما بعده بالتأويل المذكور في محل رفع بأنه فاعل له ، والتقدير : استوى عندهم الإنذار وعدمه ، ولا يؤمنون على ما تقدم من الأوجه أعني الحال والاستئناف والدعاء والخبرية.
والهمزة في (أَأَنْذَرْتَهُمْ) الأصل فيها الاستفهام وهو هنا غير مراد إذا المراد التسوية و «أنذرتهم» فعل وفاعل ومفعول.
«وأم» هنا عاطفة وتسمى متصلة ، ولكونها متصلة شرطان ؛ أحدهما : أن يتقدمها همزة استفهام أو تسوية لفظا أو تقديرا ، والثاني : أن يكون ما بعدها مفردا أو مؤولا بمفرد كهذه الآية ، فإن الجملة فيها بتأويل مفرد كما تقدم ، وجوابها أحد الشيئين أو الأشياء ، ولا تجاب بنعم ولا ب «لا» فإن فقد شرط سميت منقطعة ومنفصلة ، وتقدر ب بل والهمزة وجوابها نعم أو لا ، ولها أحكام أخر.
و «لم» حرف جزم معناه نفي الماضي مطلقا خلافا لمن خصها بالماضي المنقطع ، ويدل على ذلك قوله تعالى : (وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا)(٢) ، (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ)(٣) وهذا لا يتصور فيه الانقطاع ، وهي من خواص صيغ المضارع إلا أنها تجعله ماضيا في المعنى كما تقدم ، وهل قلبت اللفظ دون المعنى أم المعنى دون اللفظ؟ قولان أظهرهما الثاني ، وقد يحذف مجزومها.
والكفر : الستر ، ومنه سمى الليل كافرا قال :
__________________
(١) البيت لعبيد بن الأبرص. انظر القرطبي (١ / ١٢٨).
(٢) سورة مريم ، آية (٤).
(٣) سورة الإخلاص ، آية (٣).