نعم ، إذا لم يكن سقوط التكليف في الزّمان الّذي كلّف بالإيجاد فيه أو في الزّمان السّابق ناشئا من اختيار المكلّف لكان الأمر كذلك ، وأما إذا كان ناشئا من اختياره ، فلا ، وإياك أن يغلطك الوهم ويلبس الأمر عليك ويخيّل إليك من سحره أن امتناع التكليف في الوقت المذكور إنّما هو فيما إذا ترك مقدّماته سابقا ، وأمّا إذا لم يتركها فلا ، بناء على ما يتراءى من حسن تكليف حاضري المسجد الحرام في يوم النّحر بالطّواف وقبح تكليف النّائي عنه ويبنى عليه صحّة استحقاق العقاب على تركه بالنسبة إلى الفريق الأوّل دون الثاني كما ذكره المستدل ، لأنّ ذلك الترائي إنّما هو بناء على الغالب من سعة الوقت بالنسبة إلى الحاضرين وانّ التّكليف في كلّ حال انّما هو بالنّسبة إلى ثاني الحال.
وأمّا إذا تضيّق الوقت واختار المكلّف التّرك ، فلا فرق أيضا بين القاطن يوم النّحر في العراق والشّام ، والسّاكن بين الرّكن والمقام فانّهما إذا وضعا في كفتي ميزان النّظر الصحيح وقسطاس العقل الصّريح لم يرجّح أحدهما على الآخر بمقدار رأس إبرة ، ولم ير بينهما تفاوت مثقال ذرة ، بل إمّا أن يحسن تكليفهما جميعا أو لا يحسن جميعا.
والحاصل : أنّ حاضري مكّة ما لم يتضيق وقت الطواف لم يصدر منهم اختيار الترك فلذا يصحّ تكليفهم ، وأمّا وقت التضيق فالكلّ سواء في الصّحة وعدمها وكذا في اللّوم وعدمه بالنسبة إلى العبارتين السّابقتين كما يحكم به الوجدان والتأمّل. (١) والتّفاوت بينهما قبل وقت الضّيق في صحة التّكليف وعدمها
__________________
(١) كيف والدليل المذكور جار في الصورة المفروضة بوجه آخر غير ما ذكرنا أوّلا من النقض.
بيانه : أنه إذا بقي من الوقت مقدار الطواف فقط واختار المكلّف الترك ففي كلّ آن يفرض بعد الزمان السابق على الزمان الباقي المفروض لا يصحّ التكليف بالطواف بمقتضى الدليل المذكور ، إذ الوقت بعده لا يسع الطواف فلا يكون ممكنا ، فلا يصحّ التكليف فافهم. منه رحمهالله.