الحجّ في الصّورة المفروضة فما تقول في التكليف هل هو باق في ذلك الزّمان أم يسقط عند ترك المشي؟ وكذا في صورة ترك الفعل في وقته بدون ترك مقدّمته هل يسقط التكليف في ذلك الوقت وإن استحقّ العقاب أم لا يسقط؟
قلت : قد ذهب بعض العلماء إلى عدم صحّة بقاء التكليف في الوقت الّذي كلف فيه بالفعل سواء كان المأمور متلبّسا بالفعل أم لا ، بناء على انتفاء غرضه الّذي هو الابتلاء ونحوه ، وجوز بعضهم نظرا إلى أن الابتلاء ونحوه إنّما هو فائدة حدوث التكليف لا استمراره.
والتفصيل أن يقال : إنّ التكليف إن كان غير الإرادة على ما ذهب إليه بعض فإن كان معنى يحدث بحدوث الصّيغة وينتفي بانتفائها أو يبقى بعدها لكن ما دام يحسن التلفظ بها ، فالظّاهر في هاتين الصّورتين عدم تحقّقه في الوقت المذكور إذ لا خفاء في عدم حسن التلفظ بصيغة التكليف فيه وإنّما ينسب إلى السفه ، بل من شرائط حسنه أن يكون قبل صدور اختيار المكلف به أو سببه أو عدمه أو سبب عدمه من المكلف وإن لم يكن كذلك فللتأمّل في بقائه وعدمه مجال.
وإن كان هو الإرادة على ما ذهب بعض آخر فإن كانت الإرادة هي الميل النفساني أو الدّاعي أي العلم بالأصلح ، فالظاهر حينئذ بقاؤه في الوقت المذكور سيما في الأخير.
وإن كانت غيرهما فالبقاء محل تردد.
وقس على ما ذكرنا الحال في بقائه حال ترك مقدّمة الفعل قبل إتيان الوقت المذكور ، ولا يتوهم أنّه على تقدير عدم بقاء التكليف في الحالين المذكورين يلزم أن لا يتحقّق استحقاق العقاب على الترك لأن اللّزوم ممنوع إذ التّكليف السّابق كاف في حصول الاستحقاق بترك متعلّقه.