واختياره السابق وهذا ليس بضائر كما انّ عند عدم ترك المقدمات أيضا إذا لم
يرد العبد الفعل وقت الفعل ، ولا شكّ انّه أيضا لا يمكن تحقّق إرادة الفعل بشرط
عدم إرادته مع أنّه لا يخرج الفعل بسببه عن المقدوريّة ، ولا تفاوت بين الصورتين
إلّا في شرط أن الامتناع حاصل في الثاني وقت الفعل وفي الأوّل سابق عليه وهذا ليس
بمؤثر في المقام كما لا يخفى.
نعم لو اصطلح
أحد على أنّ المقدور هو ما كان وقت الفعل إرادته وعدم إرادته كلاهما ممكنا لم يكن
الفعل في فرضنا هذا مقدورا ، لكن هذا ليس بمجد ، إذ المقدورية التي هي مناط
التكليف واستحقاق الثواب والعقاب ليس سوى كون الفعل بحيث يصدق بالنسبة إليه
الشرطيتان المشهورتان ولا يضرّ امتناع مقدّمهما وقت الفعل إذا لم يكن الامتناع
ناشئا من خارج ، بل إمّا من فعل الفاعل بإرادته واختياره أو من عدم اعتقاده النفع
والمصلحة فيه والأوّل أيضا يرجع إلى الثاني في الحقيقة كما لا يخفى وظاهر أنّه لا
يختلف الحال باعتبار حصول سبب الامتناع سابقا وعدمه كما ذكرنا.
ثمّ لا يخفى
عليك أنّ ما ذكرنا ليس مبنيا على حكم حاكم العقل بمجرد علمه وقضاء قاضي البرهان
بمحض رأيه ، بل العرف والعادة أيضا شاهدان عليه ألا ترى أن كافة ذوي العقول يذمون
يوم النّحر الجالس في بلده البعيد المستطيع لإتيان الحجّ ويقولون له : لم ليس فعلك
في هذا الوقت بدل الجلوس في بيتك الطواف بالبيت؟ ولم اخترت هذا على ذلك؟ ولا
يقبلون تعليله واعتذاره بأنّه ما قطع الطريق بل يقولون له إنّ عدم قطع الطريق ما
كان أمرا ضروريا ، بل كان أمكنك أن تقطعه وتكون اليوم من جملة الطائفين وإرجاع هذه
المذمّة إلى مذمّة ترك قطع الطريق خلاف ظاهر اللفظ والوجدان ، إذ الوجدان يحكم
بأنّه لا يخطر