فإن قلت : مراد المستدل أنّه عند ترك المقدمات في الزمان السابق لا يتحقق القدرة على الفعل وقت الفعل إذ لا يصدق على المكلف حينئذ انّه إذا شاء فعل ، إذ على تقدير المشيئة أيضا لا يمكنه الفعل بخلاف ما إذا لم يترك المقدّمات سابقا إذ عند حضور وقت الفعل حينئذ القدرة متحقّقة وإن اختار الترك وصار فعله ممتنعا بسبب هذا الاختيار ، لأنّه يصدق عليه أنّه إذا شاء فعل ، وإذا لم يتحقق القدرة لم يتحقّق العقاب والذّم على الترك وليس بناء الدليل على الامتناع حتّى يرد ما ذكرت.
قلت : لا نسلّم أنّه يشترط في صحة العقاب والذّم تحقّق القدرة حال الفعل ، بل إنّما يشترط فيه تحقّق القدرة في جزء من أجزاء زمان ما بعد التكليف إلى زمان الفعل ، ولا شكّ انّ القدرة حاصلة قبل ترك المقدّمات إذ يصدق المكلف حينئذ أنّه يمكن صدور الفعل عنه في وقته وأنّه إذا شاء فعل ، وسقوطها بعده باختياره ليس بضائر ومن يدّعي الضّرر فعليه البيان ، مع أنّا لا نسلّم أنّ عند ترك المقدّمات في الزمان السابق لا يصدق على المكلف وقت الفعل انّه إذا شاء فعل قوله في إثباته : إذ على تقدير المشيئة أيضا لا يمكنه الفعل ، نقول : فيه اشتباه إذ مرادهم من المشيئة في تعريف القدرة انّه إذا شاء فعل وإذا لم يشأ لم يفعل هو الإرادة التي يسمونها الإجماع الّذي لم يتخلّف عنه الفعل ، وفيما نحن لا يمكن تحقّق هذا المعنى.
نعم إنّما يتحقّق المشيئة بمعنى الشّوق والميل الناقصين وتحقّقهما ليس بمفيد في الأمر.
غاية الأمر أن يقال إنّ المشيئة لا يمكن تحقّقها في هذا الوقت ، والظاهر أنّ هذا لا يكون سببا لعدم تحقّق القدرة لأنّ عدم إمكان تحقّقها إنّما هو بشرط إرادته