صدورهما بسبب الاختيار ولا يقدح فيه وجوبهما وامتناع نقيضهما مشروطا أو مطلقا.
ولا يفرق أيضا بين أن يكون الاختيار اختيارا لهما ، أو لسببهما حاصلا معهما ، أو سابقا عليهما ، ولو لم يجوّز أحد ذلك كلّا أو بعضا لزم عليه الحكم ببطلان الشرائع والأديان جميعا وانتفاء الثواب والعقاب رأسا لعدم خلو الواقع عن أحد هذه الامور بناء على الأصلين المعمولين المذكورين وعدم التفرقة بين أمر وأمر منها بالظاهر الأوليّة كما أشرنا إليه ، وكذا لو جوّز الترجيح بلا مرجّح ، لكن يقال بأن بعد صدور الاختيار يجب المراد كما قيل لا فرق أصلا بين اختيار سببه ومقارنته معه وتقدّمه عليه كما لا يخفى.
نعم لو لم يقل بأن الشيء ما لم يجب لم يوجد ويكتفي بالأولوية والرجحان ، فربّما يتخيل فرق حينئذ بين اختيار الشيء واختيار سببه ، إذ يمكن أن يقال : إنّ عند اختيار الشيء لم يجب ذلك الشيء فيصح استحقاق العقاب عليه ، بخلاف ما إذا اختير سبب الشيء وتحقق ذلك السبب فانّه حينئذ يجب الشيء فلا يصح استحقاق العقاب عليه سيّما إذا كان تحقق السبب متقدما بالزمان على حصول ذلك الشيء ، ولو اختير على هذا المذهب انّ للفاعل المختار أن يرجح أحد مقدورية على الآخر من دون سبب موجب لذلك وليس الاختيار والإرادة أمرا متوسطا بين الفاعل وفعله ، بل إنّما هو أمر اعتباري ينتزع من الفعل في مرتبة وجوده كما ذهب إليه بعض فتخيل الفرق حينئذ أظهر لكن هذا المذهب ممّا لا مساغ له في نظر العقل وكاد أن تحكم البديهة ببطلانه على هذا أيضا لا فرق في التحقيق وعند التأمّل وإن كان يتراءى فرق بحسب الظاهر من النظر فتدبّر حق التدبّر.