مختارا تعالى عن ذلك ، لما تقرر من أن الحوادث اليوميّة مستندة إلى أسباب موجبة مترتبة منتهية إليه تعالى.
ولا يذهب عليك أنّه بما ذكرنا ظهر ان ما ذكر في ذيل أنّه لا يقال من أن ترك الحجّ ليس ممتنعا في ذلك الزّمان ، بل بشرط عدم المقدّمات ليس موافقا للتّحقيق وإن كان مشهورا بين القوم ، لأن الأصلين المذكورين سابقا يستلزمان الامتناع في الزمان أيضا كما لا يخفى ، وأن ما ذكره في جواب لا يقال من أن غاية ما ذكرت الإمكان الذاتي أيضا منظور فيه ، لأن ما ذكره القائل وهو المشهور بينهم على تقدير صحته إنّما يستلزم تحقّق الإمكان الوقوعي في ذلك الزّمان لا الذاتي فقط ، بل هو متحقق على تقدير الشرط أيضا.
لا يقال على ما ذكرت من أن الامتناع حاصل في الزمان لا بالشرط وأن ملزومه حاصل في الزّمان السّابق أيضا ينهدم بنيان ما قررت من جواز استحقاق العقاب على الترك المذكور لاتفاقهم على أن الفعل الغير الاختياري لا يستحق مدحا ولا ذما ، غاية الأمر أنّهم ذكروا أنّ الوجوب بالاختيار لا ينافي الاختيار وعلى ما ذكرت الوجوب سابق على الاختيار.
لأنّا نقول : مرادهم من الوجوب بالاختيار الوجوب الذي يكون الاختيار داخلا في جملة أسبابه وبالفعل الاختياري أيضا ما يكون كذلك.
وبالجملة : إمّا أن يبني الأمر على ما يتراءى في بادي النظر واشتهر بينهم من أن الوجوب يحدث في حال الاختيار بشرط الاختيار ، وإمّا على ما هو التّحقيق من أن ملزوم الوجوب حاصل في الأزل وليس الوجوب وجوبا شرطيا ، بل وجوبا مطلقا واقعيّا.
وعلى التقديرين يحكم العقل بجوز الذّم على فعل قبيح أو ترك قبيح يكون