مسافة بعيدة فترك العبد قطع المسافة والسقي كان عاصيا مستحقا للذمّ». انتهى كلامه. (١)
وفيه نظر أمّا أوّلا : فبالنقض.
بيانه : أنّه لو تم هذا الدليل لزم أن لا يصح العقاب على ترك أو فعل أصلا ، إذ قد ثبت في موضعه أن كلّا من طرفي الممكن لم يتحقّق ما لم يصل إلى حدّ الوجوب في الواقع.
فحينئذ نقول : إذا تعلّق التكليف بفعل في زمان فإذا ترك المكلف الفعل في ذلك الزمان فبناء على ما تقدّم يكون وجوده ممتنعا في ذلك الزمان ، فيلزم أن لا يصحّ التكليف لانتفاء شرطه الذي هو المقدورية ، وانتفاء غرضه ، وتحقق الامور الّتي ذكرها في الاستدلال من القبح والسفه العقلي وعدم إمكان تعلّق الإرادة والميل النفساني سواء بسواء فلا يصحّ العقاب على ما قرره.
والفرق بين حصول الامتناع في ذلك الزمان الذي تعلّق التكليف بإيجاد الفعل فيه وبين حصوله في الزمان السّابق عليه تحكم محض إذا الإمكان الّذي هو شرط التّكليف إنّما يعتبر في زمان كلّف بإيجاد الفعل فيه لا في زمان آخر ، وانتفاؤه في ذلك الزمان حاصل في الصّورتين بلا تفرقة على أن كلّ ما لم يتحقق في زمان فهل امتناعه حاصل في الأزل بناء على الأصلين المعمولين بين محققي العلماء من امتناع الترجيح بلا مرجح ، وأنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد ، ولزوم التسلسل أو القدم مدفوع في محلّه.
__________________
(١) راجع ص ٤٨ ـ ٥٠.