المذكور آنفا أي لم يقيد وجوبه بها فهل يجب مقدمته أيضا بمجرّد وجوبه أولا ، واشتراط المقدوريّة إنّما يحتاج إليه إذا فسر المطلق بما لم يقيد في اللفظ وإلّا فبالحقيقة الواجب بالنسبة إلى المقدمة الغير المقدورة من قبيل القسم الثاني ، والقدماء أطلقوا الخلاف في وجوب ما لا يتم الواجب إلّا به وكان مقدورا ولم يفصّلوا على ما ذكرنا وكان هذا الإطلاق منهم بناء على أنّ الواجب عند الإطلاق إنّما ينصرف إلى التنجيزي أي المطلق ، أو على أن لا وجوب عند عدم الشرط لا تنجيزا ولا تعليقا على ما هو رأي بعض أو اكتفوا بظهور المراد وعدم ذهاب الوهم إلى تطرق الخلاف في الواجب المشروط أيضا.
ثمّ إنّ المشهور في تحرير محل النزاع أنّ الخلاف في أنّ إيجاب الواجب المطلق هل يستلزم إيجاب مقدمته بالمعنى الذي سنذكره إن شاء الله تعالى ، أو لا مع بقاء المطلق على إطلاقه كما حررناه.
ويفهم من بعض كلماتهم أنّ الخلاف في أنّ الواجب إذا لم يقيد في اللفظ بشيء فوجوبه هل هو مقيد بما يتوقف عليه وجوده أم لا؟ كما صرح به الفخر
__________________
بالنسبة إليها من قبيل القسم الثاني.
نعم يرد على هذا أيضا أنّه لا حاجة إلى القيد المذكور ، لأنّ المقدمة أيضا حينئذ واجبة على القول بوجوبها ، لكن وجوبها مشروط بمقدوريتها كوجوب مشروطها ؛ لأنّه أيضا مشروط بمقدورية المقدمة فلا حاجة إلى القيد ، إذ لا شكّ أنّ ما يقال إنّ وجوب الشيء يستلزم وجوب مقدّمته ليس معناه أنّه يستلزم وجوب مقدّمته مطلقا من دون اشتراط شيء أصلا ، بل ظاهر أنّ المراد أنّ وجوبها مثل وجوب ذي المقدمة ، فإن كان وجوبه مشروطا بشيء كان وجوبها أيضا كذلك وإلّا فلا.
ويمكن أن يتكلّف ويقال مرادهم بالمقدوريّة الصلاحيّة لتعلّق القدرة ، فيكون المقدمة الغير المقدورة حينئذ منحصرة في المقدوريّة ونحوها ممّا يتوقّف الوجوب على وجوده فيستقيم ما ذكروه.
فتأمّل. منه رحمهالله.