الوجه الأوّل : أنّ مقدمة الواجب لو لم تكن واجبة بإيجابه يلزم أن لا يكون تارك الواجب المطلق عاصيا مستحقا للعقاب أصلا لكن التالي باطل وهو ظاهر فالمقدم مثله ، أمّا الملازمة فلأنّا نقول : إذا كلف الشارع بالحج مثلا ولم يصرح بإيجاب المقدمات فرضا فتارك الحج بترك قطع المسافة الجالس في بلده إمّا أن يكون مستحقا للعقاب في زمان ترك المشي إلى مكة عند التضيق ، أو في زمان ترك الحج في موسمه المعلوم ، لا سبيل إلى الأوّل لأنّه لم يصدر عنه في ذلك الزمان إلّا ترك المشي ، والمفروض أنّه غير واجب فلا يكون مرتكبا لقبيح فلا يكون مستحقا للعقاب ، ولا إلى الثاني لأنّ الإتيان بأفعال الحج في ذي الحجة ممتنع بالنسبة إليه فكيف يكون مستحقا للعقاب بترك ما يمتنع صدوره عنه ، إذ لا يتّصف بالحسن والقبح إلّا المقدور ، وأفعال الحج في ذي الحجة للجالس في البلد النائي عن مكة غير مقدورة ، ألا ترى أنّ الإنسان إذا أمر عبده بفعل معين في زمان معين في بلد بعيد والعبد ترك المشي إلى ذلك البلد فإن ضربه المولى عند حضور ذلك الزمان معترفا بأنه لم يصدر عنه إلى الآن فعل قبيح يستحق به التعذيب ، لكن القبيح أنّه لا يفعل في هذه الساعة هذا الفعل في ذلك البلد لنسبه العقلاء إلى سخافة الرأي وركاكة العقل ، بل لا يصحّ الضرب إلّا على الاستحقاق السابق قطعا.
ثمّ نقول : إذا فرضنا أنّ العبد بعد ترك المقدمات كان نائما في زمان الفعل فإمّا أن يكون مستحقا للعقاب أم لا ، لا وجه للثاني ، لأنّه ترك المأمور به مع كونه مقدورا له فثبت الأوّل ، فأمّا أن يحدث استحقاقه للعقاب في حالة النوم أم حدث قبل ذلك ، لا وجه للأول لأنّ استحقاق العقاب إنّما يكون بفعل القبيح وفعل النائم والساهي لا يتصف بالحسن والقبح بالاتفاق ، ولا وجه للثاني ، لأنّ السابق على