تعلق الإرادة الحتمية بإيجادها على ما هو مناط معنى التكليف عندنا.
وأمّا الوجوب الشرعي فإن قصدنا به تعلق التكليف المدلول عليه باللفظ صريحا ومطابقة ، فالحق عدم الوجوب بهذا المعنى ، لكن ليس الخلاف في ذلك ، وإن قصدنا تعلق التكليف المدلول عليه باللفظ سواء كان الدلالة مطابقية أو التزامية مقصودة باللفظ فللتأمّل فيه مجال ، وإن جعلنا الدلالة شاملة للالتزاميّة المقصودة وغيرها كما في دلالة الإشارة فالحق الوجوب كما سنبيّن.
وبالجملة : الذي نبيّنه وجوب المقدمة بالمعنى المصطلح عند أصحابنا والمعتزلة ، ووجوبه الشرعي بالمعنى الذي ذكرنا ، وليس استنباط الحكم من الكتاب والسنّة منحصرا فيما يكون المستنبط مقصودا من الكلام فإنّهم عدّوا من أقسام المنطوق الغير الصريح دلالة الإشارة وفسروه بما يدل اللفظ على معنى بالالتزام ولا يكون المعنى الالتزامي مقصودا للمتكلم ، وضربوا لها أمثلة.
فمنها : قوله عليهالسلام في النساء : إنّهنّ ناقصات عقل ودين ، فقيل : وما نقصان دينهنّ؟ قال : تمكث إحداهن شطر دهرها لا تصلي ، أي نصف دهرها ، فدلّ على أنّ أكثر الحيض خمسة عشر يوما (١) ، ولا شك أنّ بيان ذلك غير مقصود ، لكن لزم ذلك من غرض المبالغة مع استدعاء الحال ذكر أكثر ما يتعلق به الغرض.
ومنها : قوله : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) (٢) مع قوله : (وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ) (٣) علم منها أنّ أقل مدّة الحمل ستّة أشهر.
__________________
(١) أكثر أيّام الحيض عشرة أيّام بلا خلاف بين فقهاء الشيعة وقال الشافعي خمسة عشر يوما وبه قال مالك والرواية من طرقهم رووه عن علي عليهالسلام ظ ، راجع تذكرة الفقهاء ١ / ٢٦ الطبع الحجري.
(٢) الأحقاف : ١٥.
(٣) لقمان : ١٤.