ثمّ لا يخفى أن تحرير النزاع على الوجه الذي ذكرنا هو المعروف في كتب المتأخّرين.
ويظهر من كلام السيد المرتضى أن النزاع في بقاء الواجب المطلق على إطلاقه ، وربّما يقال : إنّ كلامه في «الشافي» صريح في ذلك دال على أن وجوب الواجب إنما يكون عند تحقّق المقدمات ولا يلزم عليه تحصيل المقدمات لا عقلا ولا شرعا. فعلى هذا لا يجب الصعود على السطح إلّا عند نصب السلّم وعند ترك نصب السلّم لا يكون عاصيا أصلا وهو الظاهر من كلام السيد ابن زهرة في «الغنية» ، ومن كلام المنقول في «شرح التهذيب» لشيخنا الشهيد رحمهالله عن القاضي عبد العزيز وعلى هذا لا مجال للخلاف في السبب فإنّ تقييد إيجاب المسبب لوجود السبب لا معنى له.
وحينئذ يرجع الخلاف إلى أنّ الواجب الذي لم يقيّد وجوبه بحسب الظاهر هل واجب مطلق بحسب نفس الأمر بالنسبة إلى مقدماته حتى يكون تاركه بترك المقدمات عاصيا ، أم لا يجب إلّا عند اتفاق وجود المقدمات فلا يكون تاركه بترك المقدمات عاصيا أصلا لا بتركه ولا ترك مقدماته ، بل لا يعصي إلّا عند تركه بعد فعل المقدمات ، ولا يبعد أن يكون هذا أيضا محل نزاع.
قال بعض الفضلاء (١) : «وتحرير محل النزاع على هذا الوجه صرّح الإمام الرّازي في بعض مختصراته ، وكأنّه اللائح من عبارة المنهاج وكلام شيخنا العلامة في النهاية مضطرب ، وربما فهم في محل النزاع منها تحقّق الخلاف على الوجهين».
فبالحري أن نحرّر الكلام على الوجهين ونذكر حجج الطرفين مع الإشارة إلى
__________________
(١) هو السيد البحراني. راجع ص ١٨.