التفاوت بينهما مع قولك بالحسن والقبح العقليين والاختيار الصرف ، فجوابك أوّلا أنّه وارد عليك أيضا في الحقيقة ، إذ قد علمت أنّ استحقاق المدح والذمّ والثواب والعقاب على رأيك بمجرّد أن اتّفق صدور الفعل عن الفاعل وان كان يمكن أن يتّفق صدور نقيضه. وظاهر أنّ العقل لا يجد حينئذ تفاوتا بين الإنسان والحيوانات العجم أصلا ، إذ كما أنّ زيدا مثلا اتّفق أن قتل عمروا ، وكان يمكن أن يتّفق أن لا يقتل ، كذلك الحيّة اتّفق أن قتلته مع الإمكان المذكور ، والوجوب وعدم الوجوب لا يؤثّران فيما نحن فيه أصلا.
ألا ترى أنّ الحيوانات العجم أيضا لا وجوب في أفعالها على رأيك مع أنّها لا تستحقّ المدح والذم والعقاب والثواب.
وثانيا : أنّ العقل يحكم بديهة بأنّ الشخص الذي يصدر منه الفعل الحسن باعتبار علمه بأنّه حسن وكون ذاته بحيث يقتضي أن يفعل ما يعلمه حسنا هو فاضل خيّر مستحقّ للثواب والثناء.
وكذا الشخص الذي يصدر منه القبيح مع علمه بأنّه قبيح وكون ذاته بحيث يقتضي أن يفعل ما يعلمه قبيحا هو رذل شرّير مستحقّ للذمّ والعقاب.
وأمّا ما يصدر منه الخير والشر من دون علم وشعور فلا يحكم له بفضيلة له ولا رذيلة ولا مدح ولا ثواب ولا ذم ولا عقاب ولا يلزم من حكمه بها في الأوّل حكمه بها أيضا في الثاني ، إذ لا ضرورة يحكم بهذه الملازمة ولا دليل عليها أيضا أصلا.
أليس أنت تفرّق بين العاقل وغير العاقل من الحيوانات مع جواز صدور الفعل ولا صدوره عنهما جميعا على رأيك ومع حصول العلم لهما أيضا ، لكن العلم بالحسن والقبح الذي هو العقلي قد فرق بينهما. فنحن نقول ، كما تقول.