الالتفات يظهر وجه دفعها فلا حاجة حينئذ إلى الالتفات إليها.
وفيه ما فيه ، إذ مع عدم كونه مطابقا لقولهم : العجز عن حلّ الشبهة لا يقدح في ضرورية الضروري ليس موافقا للواقع أيضا ، إذ كثيرا ما يكون الشبهة الواردة في مقابل الضروريات بحيث لا يمكن لكثير من الناس حلّها ولا يهتدون الطريق إلى دفعها مع الالتفات والتوجّه إليها مدّة مديدة ومرارا عديدة ، كشبهة جذر الأصم التي قرعت سمع أكثر العلماء في كلّ عصر ولم يسمعوها همهمة الحلّ وقعقعة الكسر.
وثانيهما : أنّ المقدّمة البديهية قد يكون رسوخ العقل فيها وجزمه بها بحيث لا يزول بمعارضة كلّ معارض ، بل ما وقع في مقابله وإن كان بحيث يجزم العقل به لو لم تكن تلك المقدّمة في مقابله يضمحلّ القطع به ويزول الجزم فيه بسبب تلك المقابلة ، وذلك ظاهر بالرجوع إلى الوجدان وملاحظة تفاوت مراتب الجزم واليقين بعين العيان.
مثلا عدم إمكان اجتماع النقيضين وكون الواحد نصف الاثنين من هذا القبيل ضرورة من دون ريب ومين.
وحينئذ نقول : الشبهة التي وقعت في مقابلة مثل تلك المقدّمة يمكن أن يكون مقدّماتها بحيث لو لم يكن في مقابلة تلك المقدّمة ومعارضته لها يجزم العقل بها ، لكن بعد تلك المقابلة لم يجزم بها بمجرّد تلك المقابلة ، بل يعلم قطعا أنّها باطلة ، وإنكار العقل لها بمجرّد تلك المعارضة ليس من المنع المصطلح الذي يكفي في دفع الشبهة ورفعها ، إذ المنع المصطلح الذي هو مناط الحلّ هو الإباء الذي لا يكون باعتبار المعارضة للمقدّمة التي وردت عليه الشبهة ، فظهر إذن جواز اجتماع العجز عن حلّ الشبهة مع عدم الالتفات إليها.