وهذه الأجوبة كلّها لا تخلو عن شيء سيّما الأخيرين وخصوصا الأخير.
أمّا على طريق الحكماء فلإباء العقل من أن يحسن إيلام شخص لأن يكون غيره في راحة وسرور ، وكيف يجوز أن يكون ذات الواجب تعالى مع كونه محض الوجود عندهم وبحت الخير ، مستلزما لمثل هذا الأمر. ولو جوّز مثل هذا لجوّز أن يكون ذاته تعالى مستلزما لشرور كثيرة ، إمّا مساوية للخيرات أو أزيد منها من دون تفرقة أصلا والفرق بين الشر القليل والكثير فيما نحن فيه لا وجه له قطعا.
نعم ، لو صحّ أحد الأجوبة الثلاثة السابقة على طريقة الحكماء عن الشبهة المذكورة ، ثمّ أوردت شبهة اخرى : هي أنّه كان ينبغي أن لا يكون شرّ في العالم أصلا لأنّ ذاته تعالى عين الوجود ومحض الخير والجود ومستلزم لوجود جميع ما في العالم إمّا بالواسطة أو بلا واسطة ، واستلزام مثل هذه الذات للشرّ غير معقول ، فحينئذ كلام الحكماء في دفعها مقبول ولعلهم أيضا أورده في هذا المقام ، والفرق بين المقامين واضح فتفطّن.
وأمّا طريق الصوفية ففساد ظاهره ظاهر ، إذ لا يرجع محصّله إلّا إلى أنّ ذاته تعالى باعتبار صفة من صفاته العلى يستلزم عذاب شخص دائما وهذا ممّا لا ينبغي أن يتفوّه به جاهل فضلا عن عاقل ، تعالى الله عمّا يقول الجاهلون. ولعلّهم أرادوا به غير ظاهره ، فيحالوا إلى باطنهم.
ثمّ لا يخفى أنّ الشبهة التي ذكرنا لا اختصاص لها بطريق المعتزلة القائلين : بأنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد كما يتراءى بحسب الظاهر ، لأنّه على تقدير أن يكون الفاعل المختار مختارا في فعله من دون وجوب ولزوم أصلا ، أيضا يحكم العقل بأنّه لا يحسن من الحكيم القادر العالم بعواقب الامور أن يوجد أحدا يصدر