المسلمين ، فحينئذ إمّا أن يقال : إنّه بعد ما ثبت أنّ الكافر والعاصي يصحّ استحقاقهما للعقاب وإن كان لذاتهما مدخل في حصول الكفر والعصيان على النحو المذكور ، فالعقل يحكم بأنّ إيجادهما لا فساد فيه أصلا بعد أن لم يجعل ذاتهما كذلك وإن علم موجدهما أنّه يصدر عنهما لذاتيهما امور يستحقّان بها العقاب الدائمي ؛ لأنّ صدور هذه الامور قد فرض أنّه باختيارهما ويستحقّان العقاب والذمّ عليه.
أو يقال : إنّ نعمة الوجود نعمة لا يوازيها نعمة ، فمن كان مبتلى بالعذاب الدائمي فنعمة وجوده راجحة عليه ومؤثرة عند العقلاء.
أو يقال ، كما يقول الحكماء : إنّ مثل هذه الشرور قليلة بالنسبة إلى الخيرات الكثيرة التي في العالم ولازمة في وجود العالم لا بدّ منها وترك الخير الكثير لأجل الشرّ القليل شرّ كثير ، فلا جرم يلزم وجودها في الحكمة بالعرض وذات الباري تعالى مع كونه محض الوجود والخير يستلزم أن يكون شرّا قليلا لازما لخير كثير بالعرض.
ويمثّلون لذلك مثالا : هو أنّ من أراد بناء بيت فلا بدّ أن يعيّن موضعا للمخرج ولا يصحّ الاعتراض عليه بأنّه لم عيّنت هذا الموضع للمخرج؟ فهذا ظلم عليه.
أو يقال كما يقول الصوفية : إنّ لكلّ اسم من أسماء الله تعالى الحسنى مقتضى ومظهرا ، فتلك النفوس المبتلاة بالعذاب والقهر مظاهر اسمه القهار ونحوه كما قال العارف الشيرازي إمّا على طريق الحكمة أو التصوّف :
در كارخانه عشق از كفر ناگزير است |
|
آتش كه را بسوزد گر بو لهب نباشد |