أحدهما : أن يكون ذلك الظالم يصل إليه من النفع إمّا باعتبار استحقاقه له لأجل أفعاله الحسنة ، أو تفضّلا ممّا يوازي الضرر الذي يصل إليه باعتبار مكافاة ظلمه وأزيد بحيث يؤثره العقلاء عليه ، فإيجاد مثل هذا الظالم أيضا يمكن أن يقال : إنّه لا فساد فيه إذا اقتضته مصلحة ، وليس لهذا الظالم أن يقول لموجده حين الذم والعقاب : لم أوجدتني وابتليتني بهذا البلاء.
وثانيهما : أن لا يكون كذلك ، بل يكون ضرره أكثر ، كما في الكافر المستحقّ للعذاب الدائم ، فإيجاد مثل هذا لا يخلو عن إشكال ؛ لأنّه وإن صحّت جواز استحقاق الذات للعقاب باعتبار فعل القبيح وإن كانت الإرادة الموجبة للفعل الناشئة منها بطريق اللزوم ، لكن بعد السؤال باق ، بأنّ مثل هذا الذات المفروض ، له أن يقول لموجده حين الذم والعقاب : أنا ما كنت راضيا بالوجود فلم أوجدتني وأبليتني لمثل هذا البلاء العظيم مع علمك بأنّ ذاتي كذلك وليس عدم رضائي هذا ناشئا عن سفاهتي وقلّة عقلي ، بل كلّ العقلاء يؤثرون العدم على مثل هذا الوجود الذي يكون تمتعه نزرا يسيرا ، وبلاؤه طويلا كثيرا ، فحينئذ فما الجواب عنه وما الخلاص فيه؟
قلت : إن كان الأمر كما ذهب إليه بعض من أنّ الكفّار لا يعذّبون أبدا ، بل يخلصون منه آخرا وإن لم يخرجوا من النار ، لكن تحصل لهم حالة يلتذّون بسببها من النار كالسمندر.
فالجواب ظاهر ، إذ كلّ عاقل يرجّح الحياة الأبدية وإن كان مبتلى في بعض أوقاتها المتناهى بالعذاب الشديد مع حصول اللذة الطويلة المستمرة الدائمة الغير متناهية التي لا ألم فيها بعده على العدم ويؤثر عليه البتة ولا ينكره إلّا سفيه جاهل ، وإن كان هذا باطلا منافيا لضرورة الدين ومخالفا لإجماع