ولو قيل : إنّا لا ننكر أن يكون للذات مدخل في حصول الشرّ والخير ويكون الفاعل مستحقا للثواب والعقاب والمدح والذم ، لكن ننكر أن تكون موجبة لهما بشرط العلم ومع ذلك كان الأمر كذلك.
قيل : إذا تأمّلت يظهر لك أنّ الوجوب واللزوم أيضا لا ينافي ذلك بل يؤكده ويحققه.
ولنفرض لك مثالا للتوضيح والتبيين فنقول : هل لا تعترف أنت وجميع أهل العقل بأنّه :
إذا كان أحد بحيث يقدم على القبيح بأدنى سبب فهو أسوأ حالا ممّن يقدم عليه بسبب أقوى منه.
وهكذا مثلا إذا كان أحد بحيث لا يقدم على قتل نفس ظلما بمجرد إعطاء دينار له ، بل يقدم عليه بإعطاء ألف دينار فهو خير ممّن يقدم عليه بمجرّد إعطاء دينار ومن لا يقدم عليه بإعطاء ألف دينار بل بإعطاء آلاف دينار فهو خير ممن يقدم عليه بإعطاء ألف دينار وهكذا.
فإذا كان أحد بحيث لو اعطي له جميع خزائن الأرض لا يقدم على القتل ، فلا شك أنّه أجدر بالمدح والثناء ممّن لم يكن كذلك. ولا شكّ أيضا أنّه إذا كان الشخص المذكور بحيث يصدر عنه القتل بسبب إعطاء خزائن الأرض ، فهو ليس في مرتبة ما إذا كان يمتنع عن الإقدام المذكور بسبب ذلك الإعطاء ؛ ألا ترى أنّ كافّة ذوي العقول يقولون في مقام المدح : إنّ فلانا بحيث إذا اعطي له خزائن الأرض يمتنع أن يقدم على القبيح.
فظهر أنّ الذات كلّما كانت أقرب من أن يمتنع عنها صدور القبيح كانت