وإمّا بأن يصدر عنه مع الشعور ، لكن بقسر قاسر وجبر جابر ، مثل أن يأخذ أحد يد أحد ويضرب بها رجلا.
أمّا إذا صدر فعل عن فاعل يكون عالما به وبمصلحته ، ويكون علمه بمصلحته باعثا له على فعله حتّى لو لم يكن له ذلك العلم بل كان له العلم بمصلحة تركه لما فعله ، بل تركه لأجل علمه بمصلحة تركه ، فليس هذا اضطرارا أصلا.
وإن كان صدور الفعل بعد حصول ذلك العلم بطريق الوجوب واللزوم سواء كان حصول العلم من نفسه أولا.
فإن قلت : هذا مجرّد اصطلاح ، إذ اصطلحتم على أنّ مثل هذا الفعل يسمّى اختياريا لا اضطراريا ، والقسمين الأولين يسمّيان اضطراريا ، وإلّا ففي الحقيقة لا فرق بين الأقسام فيما يتعلّق به غرضنا من جواز تعلق الحسن والقبح والمدح والذم والثواب والعقاب.
كيف ولو كان بعد حصول العلم بمصلحة محرّم مثلا يجب أن يصدر ذلك المحرم عن الفاعل ، فأيّ ذنب للفاعل في ذلك ، إذ ليس له ذنب في حصول العلم أصلا ضرورة واتفاقا ، سواء قيل إنّ حصوله منه بالإيجاب أو لا.
وبعد حصول العلم لا يمكنه أن يمنع صدور الفعل بل يصدر البتة. فأيّ معنى لكون الفاعل مذنبا ومستحقا للتوبيخ والتنديم واللوم والعقاب.
أكلّ ذلك بمجرد أنّ العلم والإرادة من جملة أسباب الفعل؟ كلّا. وهل هذا إلّا مثل أن يكون لرجل ثلاثة عبيد ، سمّى أحدهم بالعلم والآخر بالإرادة والآخر بالفاعل ، ثم شدّ حبلا على وسط العبيد ، وكان رأس الحبل بيده فجذبه بحيث سقط العبيد ، وكان سقوط العلم مستلزما لسقوط الإرادة وسقوط الإرادة