ومن المنبّهات على بطلان هذا القول أنّه يلزم على هذا انتفاء فائدة التربية والنصائح والمواعظ والبشارات والانذارات والترهيبات والترغيبات المتكرّرة والمتكثّرة ، إذ حال الفاعل على هذا الرأي بعد حصول ألف ألف ترغيب وترهيب وبشارة وإنذار مثل حاله قبله بلا تفاوت أصلا كما يظهر بالتدبّر.
ولا شكّ أنّ في القول بانتفاء الفائدة في هذه الامور مخالفة لعقل كافّة ذوي الأذهان ، بل لجميع الشرائع والأديان أعاذنا الله منه.
وأيضا نقول : إذا اشتاق أحد إلى رؤية شخص والتذّ كثيرا من رؤيته فإذا وعد في المواصلة في وقت فلا شكّ أنّ قبل المواصلة يكون له اضطراب وتشويش خوفا من عدم تيسّر الرؤية والظفر باللذّة المتمنّاة بسبب خلفه للوعد ، أو حصول مانع من مرض أو غيره ، أو فتور في شوقه ومحبّته بسبب من الأسباب ، أو خلل في حسن ذلك الشخص وجماله وأمثال ذلك ، فإذا فرض أنّه قد حصل له العلم اليقيني بانتفاء جميع تلك الامور فلا ريب في أنّه يزول اضطرابه بالكلّية ويتيقن بحصول اللذّة المتوقّعة ، ولو لا أنّه ارتكز في جميع العقول خلاف هذا الرأي لما كان الأمر كذلك ، إذ مع انتفاء جميع تلك الموانع أيضا احتمال أن لا يراه بالاختيار باق بحاله ، فينبغي أن لا يزول اضطرابه أصلا ، ولو فرض أن يضطرب ويظهر أنّ سبب اضطرابه خوفه من أن لا يراه بالاختيار بلا مانع أصلا لضحك منه العقلاء ونسبوه إلى الجنون والسفاهة وهو ظاهر.
فظهر بما ذكرنا أنّ الممكن الموجود لا بدّ له من مؤثّر موجود وأنّه ما لم يجب لم يوجد ، وكذا ما لم يجب عدمه لم يعدم وأنّ الفاعل المختار أيضا يصدر منه الفعل والترك بالوجوب لكن لا ينافي اختياره كما حقّق في موضعه.
ثمّ هذا الوجوب الذي أثبتناه هل هو قبل الفعل أو مع الفعل؟ فيه إشكال.