وبين فعله ويفعل بسبب الاختيار والإرادة ، بل من يكون عالما بالفعل ويكون له مع ذلك صفة يعبّر عنها بالتمكّن من الفعل والترك ، وهذه الصفة موجودة في كلا حالتي الفعل وعدمه ، ويفعل ويترك ذلك الفاعل الكذائي بنفسه من دون توسّط أمر آخر وبعد الفعل أو الترك ينتزع منهما أنّ الفاعل اختار ذلك الطرف فأوقعه ، فيكون الاختيار بهذا الاعتبار أمرا انتزاعيّا منتزعا من نفس الفعل وتركه بعد وقوعهما لا أنّه صفة حقيقية أو إضافية حاصلة في المختار مقدّمة على الفعل والترك.
قلت : حاصل ما ذكرت بطوله أنّ الفاعل المختار يفعل ويترك من دون تغيّر في ذاته وصفاته الحقيقيّة أو الإضافيّة المقدّمة على الفعل ، بل إنّما تتغيّر صفته الإضافيّة التي هي إمّا نفس الفعل والترك أو معنى آخر ، إمّا متأخّر عنهما أو حاصل في مرتبتها ، ولا يريب عاقل في أنّه لا يمكن أن يفعل أحد فعلا في وقت ولم يفعله في وقت آخر من دون تغيّر لا في عمله ولا في عقله ولا في تفكّره في العواقب وتفطّنه لبعض المصالح والمفاسد ، أو في اقتضاء سنّه ومزاجه أو في صعوبة الفعل وسهولته في الوقتين أو في معاشرته (١) أو في اقتضاء وقت الفعل والترك أو غير ذلك من الامور ، وكذا أن يفعل أحد فعلا في وقت ولا يفعل ذلك الفعل آخر مثله في جميع الأحوال والأوضاع في ذلك الوقت.
وهل تجويز هذا إلّا مكابرة صريحة ، بل سفسطة فضيحة ، وليت شعري أيّ ترجّح لترجيح أحد المتساويين بدون مرجّح على هذا في الامتناع ، بل هما متساويان في الاستحالة وعدمها فإمّا أن يجوزا معا أو يحكم بامتناعهما كذلك.
__________________
(١) كذا.