المصيران متضادّين ويكون هناك أين متوسّط بينهما وأيون أقرب من الطرف الفوقاني في حدّ الفوقية وأيون من الجهة الاخرى بالخلاف ، فيكون في طبيعة الأين من جهته لا من جهة جنسيته ، بل من حيث خواص نوعيّته وإضافتها أيضا أن تقبل الأشدّ والأضعف ، فإن اثنين كليهما فوقان وأحدهما أشدّ فوقيّة ، فعلى هذه الجهة يمكن أن يقع فيها الأشدّ والأضعف ، وأمّا الكون فوق مطلقا أو تحت مطلقا ، والكون في أيّ حدّ شئت مطلقا ، والكون في المكان مطلقا ، فلا يقبل ذلك أشد وأضعف ، وفي الكيفيّة أيضا فإنّ السواد الحقّ لا يقبل أشدّ وأضعف ، بل الشيء الذي هو سواد بالقياس عند شيء وهو بياض بالقياس إلى الآخر وكلّ جزء من سواد يفرض فلا يقبل الأشدّ والأضعف في حقّ نفسه. انتهى. (١)
ولعلّ المراد بقوله : «كلّ جزء من السواد» حدود الأوساط إذ عرفت أنّ كلّ مرتبة من مراتب اللون ليس يكون على وجهين مختلفين حتى تكون ما فيه الاختلاف ويقع فيه التشكيك.
قال بهمنيار في التحصيل : الأين يقبل الأشدّ والأضعف فإنّه قد يكون اثنان وكلاهما فوقان وأحدهما أشدّ فوقيّة ، فعلى هذه الجملة يمكن أن يقع فيه الأشدّ والأضعف ، وأمّا كون الفوق مطلقا أو التحت مطلقا والكون في أيّ حدّ شئت مطلقا والكون في المكان مطلقا فلا يقبل الأشدّ والأضعف ، وهكذا الحال في الكيفية فإنّ السواد لا يقبل الأشدّ والأضعف بل الشيء الذي هو سواد بالقياس عند شيء وهو بياض بالقياس إلى الآخر وكلّ جزء من السواد يفرض فلا يقبل الأشدّ والأضعف في حق نفسه فانّ كلّ سواد يشتدّ فإنّه نوع على حده ، إذ كلّ سواد [متغير فإمّا أن يتغيّر لا في سواديته فيكون بعارض والكلام في غير هذا
__________________
(١) الشفاء ، المنطق ، المقولات ص ٢٣٠ طبع مصر.